أظنني عثرت على ضالتي ؛ صفحة في الفيسبوك عنوانها ” كلنا أسامة بن لادن ” تذكرني بالصفحة التي فجرت ثورة مصر ، ” كلنا خالد سعيد ” .
ضالتي لا تكمن في ” كلنا ” التي تحيل إلى ” كلنا صدام ” و” كلنا معمر القذافي ” . انما تكمن في مقدار التناقض المريع الذي لن يشفى منه العرب حتى يلج الجمل في سم الخياط . أقصد تغنيهم بالحريات في وقت يترنمون بالقتلة والمجرمين ، أن يتماهوا ، تارة ، بذلك الشهيد المسكين ، ضحية الطغيان والاستبداد ، محمد بو عزيزي أو خالد سعيد ، بينما هم ، في الواقع ، صورة مكبرة وعريضة عن ذلك الوحش الحاقد المتورم بكراهيته للآخرين ، أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي أو أيمن الظواهري.
ضالتي تكمن في هذه الفكرة التي طالما درت حولها لدرجة أن الكثيرين أخذوا غيبتي ؛ العقل الحر لا يحتاج لمن يدله على العتمة ويقول له ـ أيه ..انت مش شايف ..دي عتمه يا باشا ! مثلما لا يحتاج لمن يقول له ـ بص شوف هي دي شمس الشموسة.
العقل الحر يميز القاتل من عينيه ويعرف الضحية من انفتاح فمها ، ولكي أكون أكثر وضوحا أقول أن بن لادن كان شيخا قادما من اعتم منطقة في ذاكرة الأنسان , فهو الآمر بقتل آلاف البشر لا لشيء سوى أنهم ينتمون الى أديان بعينها وطوائف بذاتها ، وهو ” المجاهد ” المجبول من ديناميت صحراوي ، غير المتورع عن القول جهارا نهارا ـ أقتلوا الفئة الفلانية ، فجروا الجماعة العلانية .
مع هذا ، وهنا تكمن ضالتي ، فإن ثلاثة أرباع ” أحرار” العرب حزانى على شيخهم ، يبكون بدل الدموع دما ويتسابقون لتسجيل أسمائهم في صفحة ” كلنا أسامة بن لادن ” وكأنها مرادف لـ” كلنا خالد سعيد ” و ” كلنا محمد بوعزيزي ” . وبين الجانبين مثل بعد المشرقين لو كانوا يعلمون .
الأمر لا يتوقف عند الرعاع من مغسولي الأدمغة بل انه يصل الى زعماء دول وحركات سياسية ترحّموا وهللوا حين جاءهم الخبر ـ قتل بن لادن .
ضالتي تكمن هنا ، فأنا قلت مرة أن ثائرا لا ينظر بعين حرة لما جرى للعراقيين لا يستحق أن يسمى ثائرا ، ومنتفضا يتذكر كل انتفاضات العالم ولا يخطر في ذهنه ما جرى في عراق 1991 لا يستحق أن يسمى منتفضا . يومها قال أحد الأصدقاء أنه يجب أن نتعلم من المصريين بعض دروس الثورة فرددت عليه ـ أنا موافق يا صاح ولكن لا تقل لي أن أتعلم منهم أيضا الشغف بالطغاة حين يكون الضحايا من طائفة أخرى !
اليوم تذكرت ذلك السجال واستعدت بعض آلامه متذكرا الزرقاوي ، أكبه الله في سعيره ، وكيف أن مقتله جسد مناحة للعرب رغم تصريحه القاسي بإعلان الحرب على فئة منا . لقد أقاموا له المآتم وزفوا ذكراه إلى عروش معتمة في قلوبهم ، ثم بعد ذلك ثاروا على طغاتهم مترنمين بالحرية ـ لك يا حرية هاي ..!!
أي فهم للحرية و ” كلكم أسامة بن لادن ” ! وأي فهم للحرية و ” كلكم الزرقاوي ” ..
أي فهم للحرية ، وعتمة الأرواح لا تزال تخيم عليكم ، يا أشباه الأحرار ولا أحرار . لقد ملأتم قلوبنا قيحا وجعلتمونا نخمش وجوهنا غيطاً فتعساً لكم وترحا .
كلكم أسامة بن لادن ! إذن هنيئا لكم ، وسحقا لمن يكون منكم .