لماذا بغداد تنهمك في صناعة الموت . واين حكومة نوري المالكي منها ؟ – أياد الجصاني

by admin
0 comment 311 views

هزت العراقيين اينما كانوا انباء التفجيرات المرعبة يوم الاحد الدامي في بغداد وبقية محطات الموت في العراق ، وما اكثر محطات الموت في ايام الآحاد والاربعاء التي لا استطيع ان احصيها منذ احتلال بغداد في نيسان 2003 . ولو توقفت في بعض المحطات هذه من حياة العراقيين التي كانت بالامس القريب مسرحا لجرائم مدمرة ما زالت آثارها الحزينة مرسومة على وجوههم ، لوجدت انها تعيد نفسها وعلى وتيرة واحدة وفي مناسبات معروفة مصحوبة بادلة بينة على ان مدبريها هم انفسهم من يخطط لها وينفذها . وحتى نؤكد على صحة هذه النظرية بعد توقفنا في تلك المحطات ، سنجد ان ما وقع فيها من جرائم ممائلة في البشاعة والتنفيذ والمناسبة المصاحبة لها ما يدلل على ان هذه الجرائم تجمعت فيها كافة الخيوط والادلة على ان مرتكبيها هم هم انفسهم ابطال مسرح الجرائم في جميع محطات الموت حتى اليوم . وباليقين القاطع عرف العراقيون مرتكبيها الذين ما زالوا يحقدون على عراقهم. فاين حكومتنا الرشيدة من كل ذلك ؟ !
وبعيدا عن العديد من محطات الموت التي وقعت فيها ابشع الجرائم والتي لا يمكن حصرها هنا **، ومرورا بتلك التي وقعت بعد اشهر قليلة من الاحتلال التي ادت الى تدمير مبنى الامم المتحدة في بغداد وسقوط ممثلها سيرجيو دي ميلو قتيلا فيها بتاريخ 19 اغسطس 2003 وكذلك المحطة الاخرى الاكثر بشاعة التي وقعت فيها الجريمة بعد عشرة ايام من الاولى امام مدخل مرقد الامام علي ابن ابي طالب ( ع ) في النجف والتي ادت الى استشهاد السيد محمد باقر الحكيم والعديد من مرافقيه اثناء خروجهم من اداء فريضة الصلاة وزيارة المرقد الشريف ، اعود الى يوم 15 ديسمبر كانون الاول عام 2005 عندما أفتتحت مراكز الاقتراع للانتخابات التشريعية . وما ان أُعلنت النتائج الاولية حتى علت اصوات الاحتجاجات والاتهامات والطعون بالتزوير وافتتح اليوم الاول من العام الميلادي الجديد بتفجير العديد من السيارات المفخخة في انحاء متفرقة من بغداد مصاحبة لظهور النتائج النهائية للانتخابات راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى من الابرياء العراقيين في الاسواق العامة والشوارع واستمرت طوال الاسبوع الاول وما بعده من العام الجديد 2006 . وقبل ان اقف عند محطتنا الاخيرة ولا امل لي ان تكون الاخيرة ، التي وقعت فيها جريمة التفجيرات ببغداد وباقي المدن العراقية في يوم الاحد الدامي الاسبوع الماضي المصاحبة لقرار محكمة الجنايات الصادر بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي القاضي بالحكم عليه بالاعدام عيابيا شنقا حتى الموت بعد ثبوت تعاونه مع جهات ارهابية ، اذكر القارئ الكريم انه عندما أُختير طارق الهاشمي في حينه لمنصب نائب رئيس الجمهورية ، كشف عن النداء الذي وجهه الى الجماعات المسلحة بالتفاوض مباشرة مع قوات الاحتلال . وفي حوار أجرته معه قناة فضائية العراقية ذلك الوقت سأل المحاور طارق الهاشمي عن هوية تلك الجماعات وتوجهاتها وعن السبب الذي دعاه الى توجيه ندائه لها بالتفاوض والحوار مباشرة مع قوات الاحتلال وليس مع الحكومة العراقية . وكان رد الهاشمي :” ان المطلوب هو ان تجلس المقاومة على طاولة المفاوضات. وان الحكومة لم تشكل بعد . وانا بالتاكيد افضل ان يكون الحوار مع العراقيين لان موضوع المقاومة داخلي . انا اتكلم عن فصائل المقاومة التي ينتهي سطح عملها بتحرير العراق من الاحتلال . والمسألة الثانية هي دعوة هذه الجماعات ان تعي ما هو جديد على الساحة السياسية لعام 2006 لان هناك دافعا جديدا يجب ان يُعمل به. وانا سوف لن اكون وسيطا من خلال وسائل الاعلام ، بل سوف اكون وسيطا رسميا من قبل المقاومة اذا ما وجدت الحكومة ان المسألة تناقش داخل أروقة الحكومة ” . من خلال ذلك الحوار ظهر طارق الهاشمي كما لو انه النجم الذي كان يدور في فلك المقاومة التي اراد ان يكون وسيطا عنها . ورغم تلك الجهود المبذولة من اجل التعاون والقاء السلاح ، ردت الجماعات المسلحة في بيان صدر عنها بالرفض متعللة بانه لم يحن أوان هذا التعاون بعد . اذن الهاشمي يؤكد ان هناك ما يربطه بما يسمى بالمقاومة واعمالها الارهابية التي تقوم بها هذه المقاومة (الحوار المباشر مع طارق الهاشمي في قناة فضائية العراقية في 16 مايو 2006 والبيان الذي نقلته قناة فضائية الجزيرة عن الجماعات المسلحة في 16 مايو 2006) . .
ولن انسى الوقوف عند محطتنا صباح يوم الاربعاء 22 فبراير 2006 عندما قام مسلحون يرتدون زي الشرطة باقتحام مرقدي الامامين على الهادي وحسن العسكريين في سامراء وقاموا بزرع عبوات ناسفة فجروا فيها الاضرحة . وعلى اثرها شهد العراق صراعات سياسية وطائفية وتصدعات اجتماعية كان الهدف منها إثارة الفتنة الطائفية والوصول إلى الحرب أهلية . ولقد استغلت بعض الاطراف والكتل العراقية وقادتها وحتى بعض الشخصيات العربية الموقف المتأزم الذي صاحب تشكيل الحكومة العراقية بعد الانتخابات وراحت تصعد من زيادة العنف في العراق . فحارث الضاري امين عام بما يسمى بهيئة علماء المسلمين صرح بانفعال قائلا ” ان 40 الف “سني” قُتلوا اثناء فترة حكم الجعفري . والرئيس المصري السابق حسني مبارك ادلى بتصريح من القاهرة عزف فيه على نفس الوتر عندما قال :”ان الشيعة في العراق يدينون بالولاء لايران وليس للدولة التي هم فيها “. وخلال تلك الايام إستلمت المجموعات الارهابية الشفرة التي أُرسلت لها وقامت بثلاث عمليات متتالية فجرت فيها مراقد مقدسة وجوامع وقتلت وجرحت المئات من الابرياء العراقيين في كل من النجف والمسيب وبغداد ( الحوار الذي نقلته قناة فضائية العربية مع الرئيس حسني مبارك في 9 ابريل 2006 ) . وليس من الغريب ان يتفاقم الوضع الامني في العراق في الربع الاخير من العام نفسه الذي اعتبر الاكثر دموية ووحشية عندما تصاعد الارهاب في العاصمة بغداد التي شهدت عدة حوادث مثل تفجير السيارات المفخخة والاختطاف وعمليات التهجير وتهديد واغتيال الصحفيين والفنانين والرياضيين والاساتذة الاكاديميين التي اشاعت الرعب بين المواطنين في مختلف الاطراف . وبات الحديث مسموعا عن دور المليشيات التابعة للاحزاب او الارهاب او المقاومة ودورها في ازدياد وتيرة العنف والمجازر التي وقعت في مدينة الصدر ببغداد التي شهدت العديد من التفجيرات كان منها التفجير المدمر الذي وقع يوم 23 نوفمبر 2006 لاكثر من ست سيارات مفخخة مرة واحدة في سوق جميلة بالمدينة . وهو الهجوم الاقوى عنفا الذي وصفه عبد الحميد الصالح في برنامجه عن العنف الطائفي بقناة فضائية البغدادية يوم 24 نوفمبر 2006، بانه “وزع الموت على خمسمائة قتيل وجريح مرة واحدة من العراقيين الفقراء الذين نحرهم الجوع والخوف والألم المتواصل . وكذلك المجزرة البشعة التي تعرض لها الفقراء من عمال البناء الذين يتجمعون كل صباح في هذه الساحة طلبا للرزق عندما انفجرت سيارتان ملغومتان في الساحة بين المتجمعين لقي ثمانون شخصا على الاقل مصرعهم وأُصيب ما يقرب من ثلاثمائة شخص آخر اظهرت الصور التلفزيونية لقناة العراقية حجم الدمار والمأساة في تلك الساحة. واذكر هنا ان للكاتب غسان شربل كانت مقالة كتبها من اسطنبول الى صحيفة الحياة قال فيها :” سلكت بغداد طريق التهور. خوفها من ثورة الخميني اخذها للحرب . ذيول الانتصار والانتقال والاحلام الفاحشة اخذتها الى الكويت . عاقبها العالم. قلم اظافر صدام ودفعه الى الحصار والعزلة . الغزو الامريكي نحر بغداد . الاقتتال المذهبي يؤكد نحرها. .غاب الضلع العربي في المثلث . انه اكثر من خلل في التوازن . اية نكبة ! اسطنبول تستقبل السواح وتحلم بوسادة اوربية. طهران تواصل هجومها الشامل وترفع من وتيرة التخصيب في منشآتها. وحدها بغداد تستيقظ كل صباح لتجمع الجثث ثم تنهمك في صناعة الموت “(قناة فضائية العراقية والشرقية 12 ديسمبر 2006 ) و(صحيفة الحياة 19 اكتوبر 2006 ) . .

واتوقف قليلا في محطة موت كبيرة اخرى لنشاهد ما حصل من تفجيرات مرعبة ممائلة . ففي مناسبة الذكرى 86 لتاسيس الجيش العراقي و تنفيذ الاعدام بحق صدام حسين ، القى رئيس الوزراء نوري المالكي كلمة ندد فيها بعنف حول ما صرحت به بعض وسائل الاعلام والحكومات العربية قال فيها :” اننا نستغرب ردود الفعل لتلك الحكومات التي تاسف لما حدث للطاغية بحجة ان اعدامه في اول ايام العيد كان ينتهك مثل هذه الاعياد . اننا نعتبر ذلك تحريضا للفتنة وتدخلا في الشأن العراقي الداخلي واهانة صارخة لعوائل الشهداء . ان قرار اعدام الطاغية صدام لم يكن قرارا سياسيا كما يدعيه اعداء الشعب العراقي ولكن هذا القرار جاء على اساس محاكمة عادلة لا يستحقها مثل ذلك الدكتاتور” (قناة الفضائية العراقية 6 يناير 2007 ) . وما اشبه اليوم بالبارحة ، وتماما مثلما هزت العراق من شماله الى جنوبه التفجيرات الدموية يوم الاحد الدامي اثر الاعلان عن صدور حكم الاعدام غيابيا بحق طارق الهاشمي في التاسع من هذا الشهر، لم تمر حادثة اعدام صدام حسين بسلام حيث وقعت تفجيرات مماثلة تماما لعدد من السيارات المفخخة في بغداد والمدن الاخرى راح ضحيتها العديد من الابرياء . وحول الملابسات التي رافقت طريقة الاعدام تأكد لنا عدم التوفيق من قبل وزارة المالكي في اتخاذ الاجراءات المناسبة في حينه . ولا نلوم الكاتب جيم هوغلاند عندما كتب آنذاك يقول :” العراقيون اعدموا صدام حسين بطريقة جعلت الدكتاتور السادي يبدو وكانه شخص نبيل مقارنة بمستوى سلوكهم المنحط في تلك اللحظة . واذا كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واعوانه لا يستطيعون التحكم في غرفة الاعدام التي تحتوي على 20 شخصا ، فكيف يمكن ان ياملوا في ادارة بلد يمر في طور التفكك تحت ثقل الاحقاد الطائفية والاثنية ؟. وحتى الرئيس السابق جورج بوش نفسه وجه في حينه بعض الانتقادات الى رئيس الوزراء نوري المالكي حيث اتهم حكومته بممارسة اعمال انتقامية طائفية واعتبرها حكومة غير ناضجة. وقال بوش لشبكة بي. بي. اس التلفزيونية العامة :” ان شنق صدام حسين عزز الشكوك حول المالكي واكد بوضوح ان حكومته تفتقر الي بعض النضج” . كما اعترف المالكي عندما قال ان حكومته اقترفت اخطاء فيما يتعلق باعدام صدام حسين لكنه رفض تحمل المسئوولية الكاملة عن تلك الاخطاء “. (جيم هوغلاند في صحيفة الشرق الاوسط 6 يناير 2007 ) و (التايم مع السي ان ان وصحيفة الشرق الاوسط 18و19 يناير 2007) . . وعلى هالرنة طحينج ناعم ! وما ان تم تنفيذ حكم الاعدام بصدام حسين وانتهت الزوابع التي أُثيرت ضده في نهاية العام 2006، وحلّ العام الجديد 2007 ، اندلعت التفجيرات تدوي في محطات الموت من جديد ! وما أن أُعلن عن تنفيذ حكم الاعدام بأعوان صدام حسين ، برزان التكريتي وعواد البندر فجر يوم الاثنين الخامس عشر من يناير 2007 ، حتى شهدت العاصمة بغداد الجريحة في اليوم التالي أعنف الهجمات دموية في مجزرة مروعة سقط فيها اكثر من 115 شهيد و200 جريح من بينهم 65 شهيد و140 جريح في هجوم انتحاري وتفجير باص صغير إستهدف طلاب الجامعة المستنصرية وموظفيها الابرياء امام الباحة الامامية للجامعة التي تحولت الى مستنقع من الدم اختلطت فيه كتب الطلبة واوراق محاضراتهم واقلامهم وتلفوناتهم اليدوية التي كانت ترن باستمرار. ولقد سارع رئيس الوزراء نوري المالكي بالتصريح قائلا :” ان هذه الهجمات جاءت ردا من قبل “الارهابيين الصداميين” الذين ثأروا لاعدام اعوان صدام واننا سنقتص من المسئوول عنها” ” ( مباشر من اكثر الفضاءيات العربية 17 يناير 2007 ) .
2- حكومة المالكي امام المأزق الكبير .
ويبقى العراقيون يحلمون بتحقيق الامن والرخاء منذ ان تطلعوا طويلا الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومشروع المصالحة بانتظار النصر المرتقب الذي ستحققه هذه المعركة الفاصلة بناء على خطة بغداد او ما نسميه بالعامية “بالهدة” الاخيرة ، ففي الوقت الذي انتشر فيه العنف مثل الوباء بين مختلف المليشيات والجميع منقسمون طائفيا وعرقيا وبالاخص ما تشهده الساحة العراقية من خلاف قاسي ومقيت ما بين الكتل السياسية وبالاخص ما بين حكومة اربيل في اقليم كردستان وحكومة بغداد على اكثر من خط رغم الاعلان بالامس وبشكل مفاجئ عن التوصل الى اتفاق بين الطرفين لحل الخلافات الذي اثيرت حوله الشكوك ، أفادت احصائية رسمية عراقية أن 325 عراقيا من عسكريين ومدنيين قتلوا وأصيب 697 آخرون بجروح مختلفة نتيجة أعمال العنف التي شهدتها البلاد في محطة الموت الاخرى في العراق حيث شهدت عدة مدن عراقية بما فيها العاصمة بغداد، في الـ 23 من يوليو الماضي اي قبل ايام قليلة من ذكرى احتلال الكويت في الثاني من آب هذا العام ، سلسلة من الهجمات والتفجيرات الاكثر دموية . وبالعودة الى محطة الموت الاخيرة التي شهدت تفجيرات الاحد الدامي اي المصاحبة لصدور قرار اعدام الهاشمي التي سقط فيها اكثر من مئة قتيل واكثر من اربعمائة جريح التي هزت العراق قال عنها الكاتب علي حسين في مقالته : بصراحة أن حجم الضحايا والخسائر التي تعرض لها العراقيون أمس، تكفي لو حصلت في بلاد أخرى، لإقالة رئيس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية وتقديمهم للقضاء بتهمة التواطؤ مع الإرهابيين، ولكننا نعيش في بلاد الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، في بلاد حصلت على المراتب الأولى في برنامج التهريج الأمني بكل أدواته المتمثلة بالتقصير والغفلة وشراء الذمم، فمن يتفحص سيناريو ما جرى أمس سيصاب بالصدمة والدهشة حين يعلم أنها وقعت في بلد به أكثر من مليون منتسب للقوات الأمنية، وبه رئيس وزراء يتولى مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة ومسؤولين ظلوا يصدعون رؤوسنا بأننا نعيش أزهى عصور الاستقرار (دماء العراقيين وصولات المالكي في بابنيوز 10 سبتمبر 2012 ) . .
وبعد هذا العدد من محطات الموت والكثير غيرها وما شاهدنا فيها من دمار ودماء ، هل هناك من خيوط اكثر وضوحا تتجمع وتشترك في وقوع هذه الجرائم ؟ او اليس هناك ما يدلل على ان منفذيها هم هم انفسهم في كل هذه المحطات ؟ فاذا كان احد من شارك وخطط ونفد هو شخص في اعلى مراتب الدولة ويصدر بحقه حكم الاعدام فهل نحتاج الى ادلة من ان هناك اكثر من مسئوول في الدولة يشارك في قتل العراقيين ؟ ان عدم الالتزام بتنفيذ الوعود افقد الشعب العراقي ثقته بحكومة المالكي . ويحدثنا كامل العضاض بهذا الخصوص قائلا : لم يبق امام حكومة المالكي الا عمل المستحيل قبل الانتهاء من مهمتها او حتى قبل الاقدام على تقديم استقالتها مع كل ما يُشاع عنها من “ضعف وعدم قدرة في تجاوز حدود المنطقة الخضراء ولقد اثبتت الاحداث ذلك في عراق اليوم، في ظل إقتصاد منهوك وقوى إجتماعية خائرة أو مخدرة تحت ركام تجربة عقد من الزمن؛ تجربة افرزت الكثير من الظواهر المنافية للوحدة والنمو والعدل الإجتماعي. هناك قائمة من الطعون الخطيرة التي من شأنها إدانة الرجل وإعفائه من منصبه، بل وربما محاكمته أيضا . لقد بقي لمدة حكومة المالكي ما يقرب من سنتين، فإن الدعوات لسحب الثقة من حكومته سيؤدي من دون شك الى جولة أخرى من الصراع وعدم الإستقرار ، فليس من مصلحة العراق الوطنية العليا زجه من جديد في متاهات جديدة . سيبقى الأمل في الخلاص مرهونا بنضج ونمو القوى الديمقراطية النزيهة والمعززة بالمثقفين والأكفاء في تقديم البديل السياسي . اما طالب الرماحي فقد القى الضوء على ادبيات ومقومات حزب الدعوة وكيف انه يقود البلاد الى الكارثة . ويقول : لا أعتقد أن أحداً في الدنيا في وسعه أن يقنعني أن معايير أغلب الأحزاب الحقيقية في الدنيا يمكن أن تجدها في حزب الدعوة . فحزب الدعوة عندما أدخل في العملية السياسية مع الحزب الإسلامي لم يشارك من وحي ثقله السياسي ولا ثقة الشعب العراقي به ، وهذه الحقيقة ظهرت واضحة للعيان في نتيجة أول انتخابات لمجالس المحافظات في 15 يناير 2005 والتي لم يحصل فيها حزب الدعوة سوى على 14 مقعدا في كل انحاء العراق فيما حصلت منظمة مدنية في بابل وحدها 21 . أن منصب رئاسة الوزراء وفر فرصة ذهبية لحزب الدعوة في أن يستحوذ على المال الذي هو مفتاح كل شيء في هذه الدنيا ولذا فإن ما نراه من تصاعد للفساد وسرقة المال العام وعمليات تستر منتظمة على كبار المفسدين هو جزء من الخطة التي وضعها الحزب للبقاء في السلطة أطول مدة ممكنة ، على الرغم من مظاهر الفشل والتخلف في إدارة الدولة ، وقد برع بل أجاد حزب الدعوة في توظيف الأموال المسروقة . وأنا واثق لو أن جهة متخصصة تبادر إلى وضع دراسة ميدانية متأنية ، لخرجت بنتيجة حقيقية خطيرة مفادها أن حزب الدعوة في العراق يأخذ بيد الشعب العراقي إلى الكارثة ( الخبير الاقتصادي الدكتور كامل العضاض في مقالة على موقعه الخاص تحت عنوان : حسابات المصالح في محاولة ازاحة المالكي من منصبه 20 مايو 2012 ) و (راجع الدكتور طالب الرماحي في صحيفة رابطة الكتاب العراقيين لشهر آب 2012 : حزب الدعوة في العراق الى اين .. الحلقة السابعة . .

ذكرتني كلمات كل من العضاض والرماحي بالمقالة التي نشرتها مجلة التايم الامريكية التي ترجمتها ونشرتها في حينه تحت عنوان : المالكي رجل العراق القوي ، التي ربما اصابت المالكي بالغرور والشعور بالعظمة وارجو ان اعيد للقارئ بعض ما جاء فيها : ان المالكي لم يكن معروفا منذ اعوام قلائل. فهو كأي من العراقيين الشيعة الذين عادوا للعراق بعد الاحتلال وتقلدوا مناصب في مجلس الحكم آنذاك، بدأ المالكي العمل طبقا لمبادئ القرآن مسئوولا اجاد العمل في اللجنة المكلفة في التخلص من اعوان صدام حسين. ولقد حقق عمله هذا نجاحا حصل بموجبه على دعم وتأييد الادارة الامريكية التي رشحته لمنصب رئيس الوزراء. وحتى مجئ المالكي الى الحكم لم يكن معروفا آنذاك ولم يسمع اغلب العراقيين شيئا عن المالكي “. وتشير كاتبة المقالة بوسي غوش ايضا الى : ” ان انجازات المالكي والاعمال التي حققها بعد القضاء على المليشيات المتطرفة التابعة للصدر ودحر العمليات الارهابية بواسطة القوات العراقية ودعم القوات الامريكية، جعلته كبيرا في عين الرئيس الامريكي السابق جورج بوش . وتضيف كاتبة المقالة تقول :” يتهم القادة الاكراد والسنة واعضاء من البرلمان العراقي وبعض الكتل السياسية المالكي باستخدام قوى العشائر وتسخيرها لمصالحه على حساب خصومه تماما كما فعل صدام حسين. عادل عبد المهدي ومسعود برزاني وميسون الدملوجي واياد علاوي وغيرهم قالوا لا نريد دكتاتورا آخر في بغداد وانه يقلقنا ان نرى المالكي يتصرف كطاغية. لكن المالكي قلما يبدو على ما جاء في وصف هؤلاء الخصوم الذين لم يعرهم اي اهتمام وهو لم يبدو كطاغية اكثر مما كان يظهر كأي معلم في مدرسة مرتديا بدلته المتواضعة ومتحليا بنبرة صوته في الحديث الهادئ. ومن هنا اصبح المالكي شديد الثقة بنفسه رغم انه قد تغير احيانا عن هذه الصفات عندما تغلب على المعارضة الكبيرة في البرلمان العراقي عند التوقيع على اتفاقية سحب القوات الامريكية من العراق حتى 2011. ولم يمارس المالكي القوة في التخلص من خصومه السياسيين رغم انهم هاجموه بعنف ووصفوه وجعلوا منه نظيرا لصدام حسين في العراق.
لكن صحيفة الغارديان البريطانية بعد مرور اكثر من عامين ونصف على مقالة التايم ذهبت الى عكس ما جاء في التايم اترجم للقارئ اهم ما جاء فيها : هل اصبح رئيس الوزراء نوري المالكي دكتاتور العراق الجديد حقا ؟ وفيما لو انه اصبح بالفعل فمن في واشنطن يهتم بذلك ؟ من السهل الجواب على النصف الثاني من السؤال لان البنتاغون ارادت الاحتفاظ بقوات يصل عددها 8 الآف جندي في العراق بعد الانسحاب رغم ان المالكي اوضح ان لا قوات امريكية تبقى في العراق بعد انتهاء الاتفاقية في 31 ديسمبر 2011 . كما ان واشنطن خططت لبقاء 16 الف من موظفيها في سفارتها ببغداد مع سبعمئة اخرين من العاملين في وكالة المخابرات الامريكية ال سي آي اي . اما عن النصف الاول من السؤال فالمعروف ان سلطة المالكي قد تقل كثيرا مقارنة امام ما كانت عليه السلطة المرعبة زمن صدام حسين رغم ان صحيفة الطعون ضده تاخذ بالازدياد . ففي الليلة التي بدأ فيها انسحاب القوات الامريكية قامت قوات عسكرية بقيادة ابن المالكي بمحاصرة بيت نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي واثنين من الاعضاء السنة في القائمة العراقية . وعلى اثر ذلك سيطر المالكي على كافة القوات المسلحة واحاط نفسه بالقادة الخاضعين لاوامره وشكل ما يعرف بقوات فدائيين المالكي في الجيش وفي المخابرات والسلطة القضائية. وفي الخطوة القادمة هم الاكراد الذين سوف تهدد سلطتهم ومن بعدهم الصدريين اي ان المالكي بالنهاية سيقيم حكما مركزيا اشبه بحكم فلاديمير بوتن اي انه سيخطط من اجل السيطرة التامة على السلطة باي ثمن مما يستوجب القيام بالتعذيب وتنفيذ الاعدامات ولكن القاعدة التي خسرت مواقعها في عداء اهل السنة في العراق لها عادت لتستعيد قوتها من جديد وان جهود المالكي بالاستحواذ على السلطة ستجر البلاد الى الوقوع في الحرب الاهلية ( مجلة التايم الامريكية بتاريخ 16 فبراير) و (العراق والعودة الى المستقبل بتاريخ 10 سبتمبر 2012 ) . .
لا شك ان اياد علاوي زعيم القائمة العراقية قد ازعجه ما جاء في صحيفة التايم وانشرح مهللا عند قراءة مقالة الغارديان . فهو يكاد يكون اول من اشار الى قرع طبول الحرب الاهلية في العراق والذي صرح مؤخرا بانه سوف لا ولن يجلس مع المالكي على طاولة واحدة بعد الان . كما ليس هناك من يؤيد بقوة مزاعم الغارديان اكثر من طارق الهاشمي نفسه . ضمن برنامج للضرورة حوار اذاعته قناة البغدادية مساء 14 سبتمبر 2012 كان يبدو ان مدير البرنامج عبد الحميد الصالح قد انتقل الى اسطنبول للتحاور مع طارق الهاشمي وجها لوجه حول حكم الاعدام الذي صدر بحقه . ولقد لاحظت ان المحاور رغم انه حاول ان يكون موضوعيا في طرح بعض الاسئلة على الهاشمي الا انه بلا شك استغل الفرصة لعمل اعلامي قد يبدو مغرضا ، قدم من خلاله للرائ العام العربي دعاية صريحة على براءة الهاشمي وتوجيه الاتهامات ضد شخص المالكي وحكومته . اوجز للقارئ ما جاء في الحوار: سأل المحاور الهاشمي حول عدالة القضاء العراقي وهل لوجود اي يد للحكومة العراقية في قضيته . لكن الهاشمي الذي استمات في الرد وتقديم الادلة اراد ان يؤكد للمشاهدين انه برئ وان القضبة ملفقة ضده . ومن خلال تشنجه وانفعاله اكد انه جاء باصوات السنة وليس باصوات الشيعة … بدلا من ان يقول باصوات العراقيين او بدعم حزبه الاسلامي . واذا ما عدنا الى تصريحه السابق كما مر بنا في الجزء الاول من هذه المقالة حول طلبه الحوار مع المقاومة واعترافه الصريح بالعمل معها ، رد على المحاور ان نوري المالكي هو المدبر لهذه المؤامرة ضده ولا شأن للقضاء العراقي فيها. وفي رد الهاشمي على سؤال الصالح لماذا يعطي الهاشمي القضية صبغة طائفية بدلا من ان تكون عملا قضائيا صرفا ؟ اجاب الهاشمي نعم في البداية كانت القضية سياسية ، الا ان حزب الدعوة هو الذي يدير ملف الهاشمي وبعدها جاءت التزويرات والاتهامات لافراد حمايتي . وانا اجد ان ليس امامي الا الذهاب الى المجتمع الدولي . المفوض السامي لحقوق الانسان اعترض على صدور احكام الاعدام في العراق وانا حكمي الاعدام ايضا . وان المجتمع الدولي سيحمي الحقوق في العراق لان ليس هناك عدالة . وان اجراءات في الطريق ستفتح الملفات الدولية . المالكي اختطف العملية السياسية و لديه الملف الامني والقوات المرتبطة به وليس بوزارة الدفاع . انا متهم ضد ظلم يمارسه المالكي . انا مظلوم واذا ما توفر لي الحد الادنى من العدالة ونقلوا ملفي الى كردستان فانا جاهز بالعودة الى العراق ولو نقلت القضية ستظهر الملفات المفبركة وعندما تتحول القضية الى المجتمع الدولي سيكتشف الشعب العراقي الكذب فيما جرى . ان الامم المتحدة قالت لم يعد قتل الناس شيئا داخليا . انا وصلت الى منصبي باصوات السنة وليس باصوات الشيعة. وان المالكي سوف يدفع الثمن على اختراق الدستور والتلاعب به . وان المالكي قطع كل السبل . كل الاجواء كانت مهيئة للحوار ولكن المالكي هدم كل شئ انا لن اطلب العفو الا من الله وليس من المالكي لاني برئ وهو المجرم وهو الارهابي ! .
وفي الختام اقول الى متى يبقى العراقيون ينزفون الدماء في محطات الموت حالمين بتحقيق ما يصبون اليه من تعزيز المسيرة الديموقراطية وبناء العراق الجديد واعادة الامن الاستقرار في وقت تعددت فيه مآسيهم واشتدت معاناتهم وازدادت احزانهم وكثر سفك دمائهم وطال انتظارهم للخروج من هذه الكارثة الكبيرة ؟ ان الفقر والتخلف والقهر الذي خلّفه الاستعمار العثماني البغيض واستغلال الاستعمار البريطاني وظلم ومغامرات الحاكم الدكتاتوري القمعي البائد صدام حسين والمعاناة من الحصار الامريكي الطويل والدمار والمأساة التي حلّت بالعراق بعد الاحتلال الامريكي المُذل واستمرار الارهاب في التدمير عند مختلف المحطات من حياة العراقيين وتواصل اشعال الفتن الطائفية والفوضى، وفوق كل ذلك الارتباك المستمر في العملية السياسية وتهديدها بالفشل ، قد سمح كل هذا الوضع لكاتب حاقد على العراق والعراقيين مثل داوود البصري ان يصيب كبد الحقيقية المرة في احدى مقالاته بصحيفة السياسة الكويتية وهو يقول ساخرا : تصوروا بلدا يكون الرئيس فيه مريضا ونائما على الدوام ونائبه محكوم بالاعدام ونائب رئيس وزرائه “المطلك” متهم بالارهاب “تم العفو عنه بعد دخوله بيت الطاعة المالكية” وعدد كبير من الوزراء فيه متهمون بالفساد ومع عدم وجود وزراء للداخلية والدفاع.. كيف يكون ؟ انه الفشل السلطوي العراقي الكبير … والله حالة.. والله طرطرة …( السياسة الكويتية : اعدام نائب الرئيس العراقي 11 سبتمبر 2012 ) . .
كما لا ادري الى متى سنبقى مرددين مع الكاتب العراقي رشيد الخيون وهو يقول :” لا تجعلوا الثارات تمنع خطوة التأسيس التي لا تتكرر لهذا الجيل ولا للاجيال القادمة “. وان غدا لناظره قريب ! !

*عضو نادي الاكاديمية الدبلوماسية ، فيينا-النمسا .
** اياد الجصاني : احتلال العراق ومشروع الاصلاح الديموقراطي الاميركي – حقائق واوهام الكتاب الصادر في 2008 دراسة تناولت كافة الاحداث منذ وقوع الاحتلال وحتى نهاية العام 2008 – دار الكتاب العربي بغداد شارع المتنبي .

You may also like

Leave a Comment

About The New Iraq

( العراق الجديد) صحيفة ألكترونية تصدر عن المركز الإعلامي العراقي في لندن حرة غيرمرتبطة بأي جهة أوتكتل سياسي تهدف الى خدمة أبناء شعبنا العراقي وتدافع عن مصالحه السياسية والثقافية والإجتماعية

All Right Reserved. 2024 – TheNewIraq.com – Media & Studies Centre