لم يفاجىء الشعب العراقي بأن هناك مئات الآلاف من الفضائيين في الأجهزة العسكرية والأمنية ، ولم يستبعد وجود آخرين أيضا في دوائر الدولة المختلفة ، بل الكثيرون من ابناء الشعب العراقي كان يعلم بطريقة ما وجود تواطؤ بين العاملين ومسؤوليهم لاستلاب الرواتب وتقاسمها بين الطرفين ، فهذه الحقيقة كانت حاضرة لكن ليس ثمة من يجرؤ على فضحها أو معالجتها لأن الحيتان الكبار في هرم السلطة في الحكومة السابقة كانت تشرف عليها ولها حصة معينة من ايراداتها ، وانكشفت هذه الحقيقة العجيبة الغريبة التي لم تشهد مثيلا لها الأوطان الأخرى ، عندما علمنا أن رأس الهرم ، كان يرعى هذه الظواهر الشاذة وقد خصص لكل آمر فرقة أو لواء أو سرية عدد محدد من رواتب الفضائيين ثمنا لولائه وضمانا للحصول على أكبر قدر من الاصوات في موسم الانتخابات .
هذه الحقائق التي يؤسف لها طفت على السطح بعد غياب حكومة ( الفشل والخيبة ) وبعد غياب الأطراف التي كانت ترعى جيش الفضائيين ، وكان للدكتور حيدر العبادي الدور المشرف في كشف كل تلك الفضائح ، الأمر الذي شجع الأطراف المخلصة رفع اصواتها الرافضة دون خوف بعد أن كانت تخشى من بطش رعاة الفضائيين ومن محكمة النشر التي كانت اشبه بالفزاعة لكل من يريد أن يفضح سارقا أو يشير باصبعه لفاشل .
الشعب العراقي وحكومته الوطنية الحالية بدأت بخطوات مباركة للقضاء على ظاهرة الفضائيين في أغلب الدوائر العسكرية والمدنية ، ونحن نعتقد أن عجلة سحق تلك الظاهرة بدأت تدور ولن تتوقف مادامت هناك رغبة حقيقية لدى شعبنا ومؤسساته الرقابية والإعلامية في التخلص من زمن الفساد والفشل وخاصة أنه ليس بمقدور عراقنا الحبيب ، وفي خضم صراعه مع الإرهاب الداخلي والخارجي ، أن يضمن النصر أو يتقدم ويبني مؤسساته المدنية وتثبيت اسس الديمقراطية مالم يمتلك الشجاعة في أن يبطش بيد من حديد بكل رموز الفساد والفشل .
لكن ثمة فضائيين نحن نعتقد أن التغاضي عنهم هو أكثر خطورة على العراق ومستقبله ، إنهم يشغلون مراكز في السلطة التشريعية ، والسلطة الرقابية الأولى في العراق ، فالبرلمانيون الذين لم يصلوا للبرلمان بأصوات الشعب وأنما بأصوات زعيم الكتلة أو العشيرة أو عن طريق التحايل ، هم فضائيون لا شرعية لوجودهم في البرلمان ، لأن أغلب هؤلاء لم تتوفر فيهم الشروط الأخلاقية والقانونية والعقلية ، فالمواصفات التي يجب أن تتوفر في البرلماني الحقيقي الذي يتوخى منه شعبه خيرا هي أن تكون لديه ، ثلاث خصال مترابطة لايمكن التنازل عن أحدها ، وهي ( النزاهة مع المال ، والكفاءة في الأداء ، والهمة في العمل ) ، فشعبنا الذي يعيش حالة صراع ستثنائية مع التخلف ، والحاجة الماسة للبناء ، ليس بحاجة إلى نائب ( خائب ) نزيه وحسب ، لايمتلك الكفاءة والهمة ، فالنزاهة قضية أخلاقية مهمة لكنها لاتكفي وحدها لبناء الوطن مالم تقترن بالكفاءة والهمة ، ولو امتلك البرلماني النزاهة والكفاءة ، لكنه لايمتلك الهمة العالية في العمل ، فلسنا بحاجة إليه فنحن نريد من يشمر ذراعيه نشطا فاعلاً أيضا ويكون بنَّاءا بفكره وجهده . ولذلك فإن أي برلماني لايمتلك تلك الخصال الثلاث ، فهو ( فضائي ) حيث لا جدوى من وجوده في البرلمان بل هو أشبه بمحرقة للمال العام دون أن يقدم أزاء ما يقضمه من أموال الشعب شيئا ، وأنا اعتقد أن ما يواجهه العراق من تخلف هو بسبب عدم امتلاك البرلمان لأعضاء تجتمع فيهم تلك الخصال الذهبية الثلاث .
ولذا أنا اقترح أن تشكل قبيل الأنتخابات القادمة في كل محافظة عراقية ، لجنة خبراء متخصصة تختارها جهات وطنية غير تابعة لأي طرف سياسي مشارك في الحكم ، ترتبط بالهيئة العامة المستقلة للإنتخابات ، ، تنظر بتمعن وبحيادية إلى تاريخ المرشح وكفاءته ونزاهته وقابليته على أداء مهامه الوطنية ، قبل أن تسمح له بدخول سباق الأنتخابات ، لتتأكد من وجود ( الخصال الذهبية الثلاث ) في كل مرشح ، ولا تسمح لأي شخص يفتقد لأحدها ، عندئذ نتمكن من التخلص من الفضائيين في البرلمان الذين اعتادت الكتل السياسية التحايل لإيصالهم لمجلسنا الوطني ، لأن تلك الكتل وكما عهدناه خلال الدورات الماضية لاتنظر في المرشح مصلحة الأمة والوطن وأنما مصلحة الحزب أو الكتلة التي ينتمي إليها وما ينسجم مع مزاج وتوجهات رئيسها ، ناهيك من أن الكثير من العشائر مع احترامنا لها ، درجت على ترشيح أحد ابنائها وهي تعلم جيدا عدم امتلاكه للحدود الدنيا من المواصفات المطلوبة ، أنها فقط تريد من يمثلها في البرلمان لتحقيق مآرب عشائرية قبلية وليست وطنية ، كما هو الحال مع الكتل السياسية ، إن لجنة اختيار المرشحين هي فلتر يمكن فقط من خلالها مرور الصالحين ، ونضمن بذلك وصول الكفاءات التي تمتلك النزاهة والهمة العالية ، برلمانيون بناؤون أكفاء نزيهزن ومفكرون ، وليس فضائيون .