ألأولى : العراقيون هتفوا ” نوري سعيد القندرة و…” ، سحلوه وهزجوا … ” لبس نوري العباية وصار نورية ” ، سمعتها وعمري سبع سنوات ،وربما كنت قد انضممت إلى الهاتفين ، وحدث بعدها ما حدث في بلادنا ،كبرت ، شاهدت وعرفت أن اكبر أعمار حدث في العراق ، كان في زمن ألبيك نوري ، تيقنت بأنه مؤسس الدولة العراقية الحديثة ،أرى مشاريع كبيرة والى وقت قريب تباشر هنا وهناك ، وأنصت لمن يهمس في إذني ويقول ” تخطيط هذه المشاريع كان من زمن الباشا ” ، تأكدت من انه لم يكن يملك دارا وهو لا كثر من عشرين عاما رئيسا للوزراء ، ولغاية يومنا هذا لم يتهمه احد بالفساد ولم يكن له رصيد حتى بدينار واحد في أي بنك ، ولا ينكر احد سعيه في المحافل الدولية بمنع تركيا من ضم الموصل ،ولا إيران من الاستحواذ على البصرة ، وعليه وإنصافا له وللتاريخ ، فقد سخر حياته للعراق ، ومنحه لقب الوطني ، حقا استحقه بجدارة …!!!.
الثانية : كان يغلق عليه باب مكتبه عندما يصلي في وزارة الدفاع ، سأله حارسه ،سيدي إنا واقف أمام الباب فلماذا تغلقه ، رد عليه :تريد أن تعرف كيف أضع يدي خلال الصلاة ، معاذ الله أن افعل ذاك فلا أريد التفريق بين العراقيين ، كان يتناول طعام غذائه من ” صفرطاس ” ترسله له أخته ، وعندما أرادت الحصول على دار باعتبارها أخت الزعيم “، وطلبت منه ذلك ، قال لها سجلي عليه كباقي أبناء الشعب ، استشهد ، وخياط ملابسه يطلبه ثلاثة دنانير ، شاهدت السجل بأم عيني كتب فيه ” الباقي من حساب الزعيم ثلاثة دنانير “، زار مخبز من مخابز ” التمين ” التي أنشئها للشعب …تبيع الخبزه بخمسة فلوس، شاهد صورة كبيرة له على حائط المخبز ، وراقب الخباز فوجده يقلل من عجينة الخبزة ، قال له ” إذا كنت تحبني صغر صورتي وكبر الشنكة ” ، احتل موقعا في الوطنية لا ينازعه عليها احد ،ذلك هو الزعيم عبد الكريم قاسم …
الثالثة : استلم رئاسة الوزراء في نهاية الستينيات ، كان اقتصاديا جهبذا ، وذا عقلية تنحوا نحو تأسيس بلد ديمقراطي برلماني في العراق ،وعزم على إشراك كل الأحزاب السياسية في بناء الدولة من خلال تنافس سياسي شريف ، حدث انقلاب في 68 ، سجن تحت رحمة كزار آنذاك ، حتى قتل ، لم يكن يدعي احد عليه بان له أرصدة في البنوك أو أملاك ، ذلك هو عبد الرحمن البراز .
الرابعة : كان وزيرا للتعليم في عهد مضى ، زاره صديق في بيته فوجده يلف بعض السجاد ويتعامل لبيعها لأحدهم ،سأله الصديق لماذا تبيعها ، رد: لدي دعوة شخصية للسفر خارج العراق لحضور مؤتمر ، وهذه فائضة عن الحاجة ، فعزمت على بيعها والاستعانة بمبالغها لتغطية مصاريف السفر ، سأله صديقه باستغراب ” الست وزيرا إلا تستطيع ان توفد نفسك على حساب الدولة ، أجابه بغضب ” وتريدني أن اسرق المال العام من العراقيين …!!!.
الخامسة: درس واجتهد في الاقتصاد ،حصل على الماجستير بامتياز ،وانخرط في الدكتوراه ، كانت أطروحته فيها ، عن لب ” الصمون ” الذي ننتزعه نحن العراقيين قبل أكل الصمون ، ونرميه سدى كفضلات ، حسبها ، كذا غرام وزن الفضلة مضروبا ، بعدد الصمونات لكل فرد ثم ما نستهلكه جميعا منها ،ملايين الدنانير تذهب للمزابل ، وضع في توصياته استخدام ” العيش ” المصري ، لكونه بلا فضله …!!!.
السادسة : حسبها كالآتي ، بلادنا تنتج الطماطة طوال العام ، وتنتجها في البصرة ، في الشتاء ، تحت الإنفاق البلاستيكية بأرخص كلفة في العالم كونها لا تحتاج للوقود للتدفئة ،في الوقت التي تنتجها أوربا ، بأعلى كلفة كونها تستهلك الوقود لتدفئة البيوت الزجاجية ، خرج بنتيجة ، لو استطعنا إنتاج وتعبئة طماطة الزبير وفق الأسس العلمية وصدرناها للخارج لكان إيرادها مساويا لايراد النفط .
إخواني ،لدي خزين عن وطنية آخرين ، سخروا أنفسهم ، لخدمة العراق و شعبه ، غير أنهم لم يدعوا بالنضال وحقهم بمكسب ، بل كان همهم بناء وطنهم وتطوره ،من باب تحقيق ذاتهم وكيانهم ، ان كنتم تعرفون بعضا منهم ، فدعونا ندرجهم في سجل الوطنية ليكونوا قدوة للآخرين وإياك اعني واسمعي يا جارة ، لكن عذرا منكم فقد وعدتكم بمقياس للوطنية ، غير أني لم أجد معيارا لذلك ، لكن ما وجدته ان الوطنية كالشرف ، أما أن يكون المرء شريفا أو لا يكون ، فلا يوجد إنصاف او أرباع الشرفاء ،والمنطق يقول أما أن تكون وطنيا او لا تكون .