خمسة شهور مضت والمفاوضات الجارية بين السياسيين العراقيين، بشأن تشكيل حكومة جديدة، باقية تراوح في مكانها. فالكتل الكبرى الفائزة في الإنتخابات وهي القائمة العراقيّة بقيادة أياد علاوي وإئتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي والإئتلاف الوطني العراقي بقيادة الحكيم والصدر، تتنافس فيما بينها على كرسي رئاسة الوزراء. عدم حصول أيّ من هذه الكتل على الأغلبية البسيطة في البرلمان يدعو الى ضرورة تآلفها مع بعضها من أجل الوصول الى هذه الأغلبية، وهنا هو البيت القصيد وموقع المحنة.
فكلّ كتلة من هذه الكتل السياسيّة تطمح أن يكون المنصب الأوّل في الدولة لها وأعني منصب رئيس الوزراء، لما لهذا المنصب من أهمية كبرى حيث أن من يعتليه ربما سيلتصق فيه ولا يستطيع أن يزحزحه عن مكانه أحد في ظروف جديدة قادمة.
أهميّة وقوّة منصب رئيس الوزراء في العراق تحدده أمور كثيرة أهمها أن صاحب هذا المنصب يتمتع بصلاحيات واسعة ويسيطر على مراكز للقوة كونه القائد العام للقوات المسلحة والرقم الأوّل في السلطة التنفيذية، إضافة الى منافع مادية وسلطوية تخلق منه مركب هجين يقع بين الديمقراطية والدكتاتورية أي مركب “الدكتوقراطيّة”. من الأدلة التي تدعم إزدواجية صلاحيات رئيس الوزراء بين الديمقراطية والدكتاتورية هو أنه يبقى بمنصبه حتى لو إنسحبت الكتل المتآلفة معه في الحكومة. فقد إنسحب ما يقارب من سبعة عشر وزيرا من حكومة المالكي في وقتها وبقي المالكي في منصبه دون أن يتزحزح، وهذا ما لا يحدث في العرف الديمقراطي العام وفي الحكومات الديمقراطية الأخرى ، لأن إنسحاب ما يقارب نصف أعضاء الحكومة يعني سقوط الحكومة حتما. بل إن إنسحاب أي كتلة تؤلف جزء من الحكومة يعني سقوطها في الديمقراطيات المعروفة، بينما إنسحبت من حكومة المالكي أكثر الكتل التي تآلفت معه في تشكيل الحكومة ومنها تكتل القائمة العراقية والتيار الصدري وحزب الفضيلة وجبهة التوافق وغيرها من الكتل والأحزاب، لكن المالكي بقى في مكانه يقود الوزارة دونما إهتزاز!
وجود مركّب “الدكتوقراطيّة” في اسلوب الحكم المتبّع في العراق جعل بعض السياسيين العراقيين يتشبث في منصبه ويصعب إزاحته عنه بالطرق الطبيعيّة، وهذه الظاهرة ستكون واضحة للعيان وجليّة عندما يغيب “راعي الديمقراطية” من الساحة العراقية وأعني بعدما ينسحب الأمريكيون من العراق. أي أن السياسي العراقي الذي بيده نواصي الأمور في تلك الساعة ربما لن يسلّم السلطة لغيره بسهولة ضمن نتائج إنتخابات جديدة، بل سيسلك طريقا موازيا لما يعمله أي دكتاتور آخر ويحاول عمل الممكن والمستحيل، المشروع وغير المشروع، من أجل البقاء في السلطة. من هذا المنطلق تكمن أهمية مقام رئيس الوزراء في الحكومة القادمة والذي ربما سيبقى في مكانه الى أجل غير مسمّى!
هذه الحقائق تجعل منصب رئيس الوزراء صفقة العمر بالنسبة للأحزاب السياسية، فمن يفقدها اليوم ربما لن يلقاها بعد، وهذا ما يفسّر سر صعوبة تشكيل الحكومة حيث أن كلّ طرف يعتقد بأنه سيكون جسرا للعبور لغيره إن هو لم يمسك بمنصب رئيس الوزراء في هذه الفرصة. لقد سعى التيار الصدري في الإنتخابات السابقة أن يكون جسرا يمر عليه المالكي من أجل الوصول الى السلطة، لكن سرعان ما تهشم هذا الجسر وبقي المالكي في السلطة وخرج التيار الصدري منها. هذه التجربة المريرة لا يريد أحد من الأحزاب أن ينتهجها مرّة أخرى، فالكل متيمّن بالقول المأثور ” المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”. وهذا ما يفسّر الرفض القاطع بقبول تولي المالكي سدة الحكم مرة أخرى، خصوصا من قبل الإئتلاف الوطني العراقي الذي يشكل التيار الصدرى النسبة الكبرى منه.
إنطلاقا من هذه المفاهيم وغيرها فالمالكي يتشبث بالسلطة بل حتى لا يقبل ترشيح غيره ولو كان من حزبه، لأنه يدرك جيّدا بأن ترشيح غيره لمنصب رئاسة الوزراء تعني إنفراط السلطة منه ومن حزبه وذلك لأسباب عديدة أهمها : أن المالكي يدرك بأن إلحاح الكتل الأخرى على ترشيح شخصيّة أخرى من حزبه لمنصب رئاسة الوزراء هي مكيدة له ولحزبه. فهو يعتقد بأنه ليس هناك شخصيّة قويّة غيره لها الكارزما والقوة والسيطرة بحيث تلتف حولها أحزاب تآلف دولة القانون، كما أن أي شخصيّة أخرى من حزبه سوف لن تكون موازية للشخصيات المنافسة له من حيث الثقل والتأريخ السياسي. لأن المرشح الجديد عليه أن ينافس شخصيات لها باع طويل في المعترك السياسي العراقي كالسيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية الحالي والسيد إبراهيم الجعفري رئيس وزراء العراق السابق والسيد أياد علاوي رئيس وزراء العراق الأسبق، فكلّهم من الفطاحل السياسية في عراق التغيير، بينما لا تعرف شخصيّة من حزب الدعوة تتمتع بنفس القدر من المكانة والشهرة.
عدم حصول المالكي على منصب رئاسة الوزراء في الحكومة الجديدة يعني فقدان مميزات ومصالح لحزب المالكي، فقد إستمتع أعضاء هذا الحزب بمناصب كبيرة ومراكز مرموقة في السلطة قد لا تتناسب مع مؤهلاتهم، كما توغلوا في أطراف الدولة ومؤسساتها وثناياها. هذه المناصب والألقاب سوف لن تحفظ لهم أمام أي تغيير في السلطة في ظل حكومة عراقية جديدة، بل ربما ستفتح قنوات تحقيق طويلة وعريضة لملاحقة ومعاقبة من أفسد من هؤلاء أو من يشك في فساده الإداري والمالي. وهذا يعني قلق مستمر وسهر طويل….فلا سبيل إذن أمام المالكي وحزبه إلاّ إستخدام الهجوم كأحسن وسيلة للدفاع ، والهجوم هنا هو التشبث بالسلطة.
تعنت المالكي وتشبثه بمنصب رئيس الوزراء يعتمد على حقيقة واضحة وهي أن أيّا من الكتل السياسية لا تستطيع أن تتآلف مع بعضها على أساس التنازل عن منصب رئاسة الوزراء. وهكذا فهو لا يشعر بتهديد حقيقي في أن تتآلف الكتلة العراقية مع الإئتلاف الوطني العراقي لتشكيل حكومة، لأن عقدة رئيس الوزراء ستبقى الحجر العثرة الذي يسقط عليها من يتخطاها. أما كلّ ما يقال من تقارب وتفاهم بين هاتين الكتلتين بصدد تشكيل الحكومة فما هو إلاّ ذر الرماد في العيون وورقة ضغط عليه وعلى حزبه. فهو يعلم بأن هناك أسباب عميقة تدعو الى عدم إئتلاف الكتلتين مع بعضهما لوجود ظروف خارجيّة وداخلية قد لا تسمح بمثل هذا التآلف، فإيران مثلا لا يروق لها أن يعتلي السيّد علاوي ناصية الحكم في العراق لعلمانيته من جهة ولإرتباطاته الستراتيجية مع الإدارة الأمريكية من جهة أخرى، فمن المرجح أن تضغط على مؤيديها في الإئتلاف الوطني بالتخلي عن هذه الفكرة إن أحست بجديّة هذا المسعى . كما أن غالبية الموالين للسيد الصدر والسيد الحكيم والذين يشكلون السواد الأعظم من الإئتلاف الوطني العراقي هم من الإسلاميين الشيعة الذين لا يؤنسهم تسليم مفاتيح السلطة لقائمة تضم أكثريّة سنيّة من جهة ويتهم الكثير من أعضائها بالبعثية من جهة أخرى.
كما يدرك المالكي أيضا بأن أزمة تشكيل الحكومة هي ليست أزمة ناتجة عن صراعات سياسيّة عراقية داخلية فحسب وإنما هي أزمة ناتجة عن صراعات بين قوى وأقطاب خارجيّة أيضا. فالإيرانيون يسعون لحكومة عراقية برئاسة الإئتلاف الوطني العراقي الذي توالي غالبية أحزابه النظام في إيران، بينما القطب الأمريكي يريد أن تكون ناصية الحكم بيد القائمة العراقية التي تبتعد في رؤاها وستراتيجياتها عن موالاة إيران. لكن أي من الطرفين لا يستطيع أن يحسم الموقف لصالحه مالم يتم إقناع المالكي بمد يد المساعدة والعون. كما أن أي طرف من الأطراف الخارجيّة لا يستطيع أن يسلط الضغط على المالكي، فإيران تخشى أن يتآلف هذا الرجل مع القائمة العراقية وأمريكا تخشى أن يتآلف مع الإئتلاف الوطني العراقي، فهو كالطفل المدلل يهدد أمّه تارة وتارة يهدد أباه والإثنان يطلبنا ودّه….! ومن هنا تنطلق مواقع القوة عند المالكي، فالذي يريد كسبه عليه أن يدفع الثمن غاليا، وهكذا سيبقى منصب رئيس وزراء العراق مطروحا في المزاد العلني العالمي يكسبه من يدفع الثمن الأكبر فيه….!
من نقاط القوة التي يستند عليها المالكي أيضا في منازلاته هو معرفته بعمق المأزق الحالي الذي يمسّ السياسيين الآخرين قبل ان يمسه أو يمس حزبه أو حكومته. فهو لا يزال قابع في سدّة الحكم على رأس هرم السلطة، يتمتع بما أسداه له هذا المنصب من أرزاق ونفوذ وهيمنة، فهو يقود ولا يقاد… يخشاه الناس ولا يخشى أحدا… بيده الأمر وبيده النهي…. وعجلة الزمن تمر من جانبه والى صالحه وليس في صالح غيره. فعلام هذا القلق ولماذا هذا الإستعجال! وهكذا فأن لسان حاله يقول وهو يخاطب غيره من الكتل والأحزاب والسياسيين : ” فأذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون…..”
1 comment
الى متى يبقى البعير على التل
إلى متى يبقي الكرسي ملتصقا ( الى متى يبقى البعير على التل )
كيف يستطيع ساستنا الاكارم ساستنا الجدد إن يناموا قريري العين وهم يرون الدماء تسيل في شوارع مدن العراق وهم السبب المباشر لكل هذا فأكثر من ستة أشهر مضت منذ زحف العراقيين أفواجا نحو مراكز الاقتراع للتصويت في انتخابات برلمانية وهم يحلمون ويتمنون إن تكون فاتحة خير لهم لإخراج العراق من ذلك النفق المظلم الذي دخل فيه ولم يستطيع إن يخرج منة وإذا بهم يرون أحلامهم تتبدد وتذهب جهودهم ودمائهم سدى بسبب الصراع على الكراسي ومحاولة البعض التمسك بالكراسي التي تعود الجلوس عليه لأربع سنوات مضت فهو لا يستطيع إن يتركه حاملا شعار ( لو العب لو أخرب الملعب ) هذا الشعر كنا نردده ونحن صغار نلعب في الأزقة والحواري
لا أريد إن ادفع عن احد فكل ساستنا الجدد يتحملون مسؤولية هذا الخرق الدستوري والأخلاقي والاجتماعي فأخلاقيا بعضهم لم يفي بوعوده بتحقيق الأمن والاستقرار للعراق لقد دخلنا في نفق مظلم وخطير ورطب أكثر من النفق الذي كنا داخلين فيه قبل لانتخابات
كم أتأسف على العراق عندما أرى إن دولة مثل بريطانيا أجرت انتخابات وشكلت الحكومة خلال اقل من أسبوع
اليسوا بشرا يحبون الكرسي والمناصب مثلنا أم هم من فئة أخرى من البشر لماذا لا نتعلم من الغرب إلا الشئ السيئ لماذا لم يفهم ساستنا الأفاضل صناعة وثقافة الديمقراطية الغربية من هؤلاء البريطانيون والأمريكان
نحن لا نعرف إلا التشهير والتطاول والتسويف وصناعة الأزمات لكي يبقى العراق ضائعا كأن هذا البلد ليس بلدهم وهم فعلا البعض منهم ليسوا عراقين بالمعنى الحقيقي فأكثر هم لم يعيش بالعراق
لا زلت لم افهم لماذا لم يسمح للفائزين بتشكيل الحكومة كم جرت العادة والعرف البرلماني في اغلب دول العالم
لماذا نرى ساستنا أول من يخرق الدستور الذي هم من وضعة لنا
لماذا لا يحترمون ما وقعوا علية لا ببساطة إن البعض تخدم مصالح دول معادية للعراق ولديها ثارات مع هذا الشعب
على من يقول بالدستور إن يحترمه أولا وقبل كل شئ أم يريد دستور يرتبه حسب مزاحة ومصلحة الشخصية والحزبية
والمضحك في الأمر إن اغلب ساستنا ومن هو سبب هذا التأخير نراهم يتحدثون عن الديمقراطية والحرية وحق الشعب في اختيار ممثليه وتراهم إمام كاميرا الفضائيات يبتسمون طبعا هم في سرهم يضحكون علينا لأننا نصدقهم وصدقناهم
لديمقراطية ليست شعارات وكلمات وأقوال أنها ثقافة وتربية ومنهج عمل تغرس في لنفوس وتتشبع بة الأفكار والوجدان أم في عراقنا الديمقراطي فهى شعارات انتخابية للضحك على لذقون والتلاعب بأفكار البسطاء ولفقراء ولمعدمين من بناء هذا الشعب
كل صراعات كرسوية وانتم بلف خير يا أبناء العراق