لم يكن بين المتهمين الذين مثلوا أمام المحكمة المصرية في أكاديمية الشرطة أي عراقي، ومع هذا ثمة صلة عراقية بالمحاكمة. ولم يكن بين المحامين المدافعين عن المتهمين أو ممثلي أصحاب الحق المدني، الضحايا، أي عراقي أيضاً، ومع ذلك فالصلة العراقية موجودة. كما لم يكن بين الضحايا عراقيون، لكن الصلة العراقية قائمة أيضاً.
هي صلة غير مباشرة، لكنها يمكن أن تؤثر بشكل مباشر في من يُفترض أن تؤثر فيهم من العراقيين، الا إذا تعمّدوا أن يعطوها الآذان الطرشاء والعيون العمياء.وبرغم ذلك تظل الصلة العراقية بالمحاكمة المصرية ثابتة.
في يوم ما كان الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، أهم من مثل أمام المحكمة أمس، يُنظر إليه ويُعامل باعتباره بطلاً وطنياً، فقد كان أحد قادة حرب أكتوبر 1973 التي لا يختلف المصريون على الفخر بها والزهو بانتصاراتها، لكن مبارك ما لبث أن أدار، من حيث يدري أو لا يدري ومن حيث يريد أو لا يريد، ظهره لذلك التاريخ وأن يتحول إلى حاكم فاسد استحق أن يثور عليه الشعب ويطيحه ليواجه مصيره أمام القضاء الذي كان حتى بضعة أشهر خاضعاً لسلطته.
في العراق، وفي يوم ما أيضاً كان ثمة مئات يُنظر إليهم باعتبارهم مناضلين وطنيين لانخراطهم في الكفاح ضد دكتاتورية صدام حسين المتوحشة، ومعظمهم اضطر للهرب إلى خارج البلاد، حتى إذا سقط صدام في عملية عسكرية كبرى قادتها الولايات المتحدة، تمكن هؤلاء من العودة إلى البلاد وتولي السلطة فيها، وزراء ورؤساء وزارات ونواباً ومدراء ورؤساء مؤسسات ومحافظين. المدهش إن أغلبهم ما لبث أن انهمك بسرعة فائقة في ممارسة السلطة على النحو الذي لا يختلف عن ممارسة الرئيس المصري السابق وأفراد عائلته ومساعديه لها واستحقوا بسببها أن يُقدموا إلى المحاكمة أمس بتهم يُوصف بعضها بأنه مخل بالشرف.
في العراق أيضا انخرط كثير من الحكّام الجدد في القمع واستغلال النفوذ والفساد المالي والإداري… بل أن بعضهم كان يقتل أو يأمر بالقتل على الهوية الطائفية والمذهبية والدينية والقومية والحزبية.
قبل ثمانية أشهر فقط لم يكن الرئيس المصري ونجلاه ومساعدوه، الذين بدأت أمس محاكمتهم بتهم القمع والقتل والفساد واستغلال النفوذ، يتصورون أنهم سيقفون أمس أو في أي يوم من أيام حياتهم أمام العدالة ليُحاسبوا عما فعلوه وهم على رأس السلطة.. كانوا يعتقدون أنهم فوق الشبهات والقانون إلى الأبد.
يوم أمس كانت له كلمة أخرى، لا بدّ أن سمعها الحكام الحاليون للعراق الذين يُوغل أغلبهم في إدارة الظهر لما يُفترض انه تاريخهم الوطني وفي الخروج على القانون والدستور وإرادة الشعب.
في يوم ما لن يكون بعيداً، كما يوم حسني مبارك وقبله صدام حسين، سيجد بعض من يحكم العراق الآن إن عليه أن يواجه الحقيقة والقضاء عما اقترفت يداه بالضبط كما حدث لحسني مبارك وأعوانه أمس.