تعمدت أن أقدم الموقف على السياسي في عنوان مقالتي المتواضعة هذه تأكيدا مني على أن قيمة السياسي في موقفه ، ورجولة السياسي تكمن في طبيعة هذا الموقف ومدى ثباته عليه ، وخاصة اذا أدركنا أن صحة الموقف وخطأه يعكس بشكل صريح مدى حكمة ذلك السياسي واخلاصة لأمته ووطنه ، كما أن السياسي بلا موقف شجاع وصريح وثابت لايمكن أن تضعه الا في خانة الانتهازيين وعباد المصالح الخاصة والوصوليين وباختصار شديد ( بالتافهين ) .
والذي يؤسف له ويثير الكثير من الحزن والأسى في وجدان شعب العراق أن أغلب سياسيينا لم يثبتوا على مواقفهم ، وبقيت تلك المواقف تتغيير مع تغير مصلحة الفرد ورغباته وبناء مستقبله وليس مصلحة الشعب ومتطلبات بناء الوطن .
فما أكثر ما رأينا ونحن نخوض تجربة جديدة في بناء العراق ما بعد النظام البعثي المقيت من السياسيين الذين غيروا اتجاه العملية السياسية برمتها من خلال تغيير مواقفهم ، كما حصل في مواقف التيار الصدري عندما غير موقفه من تولي المالكي رئاسة الحكومة الحالية ، وكان السبب الرئيسي في بقاء الرجل في هذا المنصب الخطير ، ولذا فان العقل والواقع كلها تؤكد أن الفشل الذي اعترى العملية السياسية ومعاناة الشعب العراقي في غياب الخدمات ودخول العراق في نفق الخلافات انما جاءت بسبب تغير موقف التيار الصدري في ذلك الوقت ، والمشكلة أن الموقف نفسه يكرره التيار عندما غير بوصلة موقفه مرة أخرى 180 درجة في قضية سحب الثقة ، ليقف مرة أخرى في طريق الاصلاحات الجذرية التي يتوقعها الشعب العراقي بعد الخلاص من حكومة فاشلة ينخر بها الفساد ويسيطر عليها الوصوليين وعباد الدنيا ، الأمر الذي دفع ( دولة القانون ) للاعلان عن ( ورقة اصلاحات ) في خدعة جديدة يظن من خلالها أنها تنطلي على غالبية الشعب العراقي وأنها سوف تطيل من عمر الحكومة ولو لبعض الوقت .
ولم تتوقف طبيعة تغيير المواقف على السياسيين الكبار ، أنما هذه الخصلة موجودة لدى السياسيين الصغار أيضا ، ومع أن أثر الصغار لم يكن كما هو عند الكبار الا أنه يشكل ظاهرة سلبية وخطيرة في الحياة السياسية في العراق … فالشخص الذي يطرح نفسه كمصلح وينقد الظواهر السلبية ويصنع له حضورا في الفضاء الاعلامي ثم يتخلى عن كل مواقفه ويختفي في زاوية التخاذل فجأة ودون سابق انذار يصبح مدعاة للشك والريبة ، فهو اما انه اكتشف خطأ مواقفه ومتبنياته الفكرية وصواب الطرف الآخر ، وهذا خلل كبير في شخصيته ويشكل ظلما صارخا للآخرين ، أو أنه استلم ثمن سكوته وتلك خيانة وطنية ودينية ونسانية فاضحة ، وكان الأجدر به أن يبرر ذلك السكوت ولو بمقالة حتى يقطع الشك باليقين ، في زمن سيء ، فيه سوء الظن من حسن الفطن .