التشكيك في إسلام الشيعة – د. عبد الخالق حسين

by -talib
0 comment 283 views

الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق12

لستُ في معرض المقارنة بين الأديان والمذاهب، وأي دين أو مذهب أفضل أو أصح من الآخر، فهذه الأمور ليست من مهمة هذا الكتاب، ولا من اهتمامات الكاتب، وإنما الغرض الرئيسي من هذا البحث هو إثبات ما يلي: أولاً، أن هناك من يمارس سياسة التحريض والتكفير والتحقير في البلدان العربية والإسلامية وبدوافع طائفية، ثانياً، لنثبت أن نزعة التشكيك والطعن بهذا المذهب أو ذاك يؤدي إلى تأجيج الصراع وإشعال الفتنة بين أتباع المذاهب المختلفة في الشعب الواحد، وبالتالي حرمانهم من حياة هادئة مستقرة. وثالثاً، إقناع المتخاصمين بأن الاختلاف الديني والمذهبي مسألة طبيعية وحتمية لا بد منها، ويجب تقبلها والتعايش معها بسلام وإلا مصيرهم الانقراض، إذ كما جاء في القرآن الكريم: `ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.` (هود/ 118)، وأن الله تعالى وحده يقرر أي دين أو مذهب أصح من الآخر وذلك في يوم الحساب، حيث قال: `إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون». (المائدة: 48).
ذكرنا في الفصل السابق عن حملة التشكيك في عروبة شيعة العراق، ولكن الحملة لم تقتصر على هذا الجانب فحسب، بل وتعدت إلى التشكيك بإسلام الشيعة في العالم بصورة عامة والذين يشكلون نحو 20% من المسلمين، والغرض من اتهامهم بالانحراف عن الإسلام الصحيح وبالشرك، وتشويه صورتهم هو لتبرير إبادتهم. ولم تقتصر الحملة على الطائفيين في العراق، بل وتعدتها إلى بلدان عربية أخرى مثل مصر، ناهيك عن حملة الوهابية في السعودية والدول الخليجية الأخرى.
ففي الثلاثينات من القرن العشرين نشر الباحث المصري، الدكتور أحمد أمين كتابه (ضحى الإسلام) وصف فيه المذهب الشيعي بأنه مزيج من المجوسية واليهودية والنصرانية والشعوبية، مما دفع أحد أئمة الشيعة في النجف الأشرف وهو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، إلى تأليف كتاب عنوانه: (أصل الشيعة وأصولها) للرد على هذه الاتهامات، وبعث بنسخ منه إلى جامع الأزهر الشريف. ولما اطلعوا على حقيقة الأمر ندموا على ذلك، وشكلوا وفداً يضم الدكتور أحمد أمين أيضاً، متوجهاً إلى النجف للاعتذار عما ورد في كتابه. وفي لقاء النجف، ولما عاتبهم الشيخ كاشف الغطاء على ذلك، أجاب الدكتور أحمد أمين أنهم ما كانوا يعرفون أي شيء عن الشيعة. فرد الإمام كاشف الغطاء على ذلك قائلاً: `عجيب أمرهم، القوم لا يعرفون عنا أي شيء ولكنهم يقولون عنا كل شيء`. (الإمام محمد حسن كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها). والجدير بالذكر أن الدكتور أحمد أمين ألف كتاباً آخر في الخمسينات، بعنوان (يوم الإسلام) تراجع فيه عن الكثير مما قاله بحق الشيعة.
لا نريد هنا تفنيد أقوال الدكتور أحمد أمين في كون مذهب الشيعة مزيج من ديانات أخرى، فهذه التهمة يمكن تطبيقها على الإسلام نفسه، لأن الإسلام أخذ الكثير من اليهودية، والمسيحية، والصابئة، أي اعتبر مكملاً للأديان السماوية التي سبقته، ولذلك أكد القرآن على قدسية هذه الأديان واعترف بأنبيائها، واحترم أتباعها، وفيه الكثير مما ورد في التوراة والأناجيل. فهناك آيات كثيرة تؤكد ذلك نكتفي بذكر واحدة منها على سبيل المثال لا الحصر مثل قوله تعالى: `إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.` (سورة البقرة، الآية 62).
المشكلة هنا لدى الإسلام السني، أن حملة تكفير وتحقير الآخر (الشيعة وأتباع الديانات الأخرى) ليست جديدة، بل كانت موجودة ومستمرة لقرون عديدة، والتاريخ ملوث بالعار والشنار باضطهاد الشيعة وغيرهم من فرق المسلمين وغير المسلمين، لذا فإن ما يحصل اليوم من حرب الإبادة الجارية ضد الشيعة والمسيحيين وغيرهم في العراق وبلدان أخرى، هو نتاج تراكمات تراث تحريضي تكفيري ضد الآخر المختلف لقرون عديدة. وقد برزت حملة التكفير والأعمال الإرهابية بشكل واضح الآن نتيجة لما وفرته التكنولوجية من وسائل الدمار، وسهولة صنعها والحصول عليها، مثل المتفجرات والمفخخات، وكذلك الثورة المعلوماتية التي سهلت عملية نشر ثقافة التكفير والتحريض، وشحن الشباب المسلم الجاهل بالكراهية، وغسل أدمغتهم بالنصوص التي تدعو إلى العنف وتفسيرها خارج سياقها الزمني، وتحويلهم إلى روبوتات وقنابل بشرية تقوم بتنفيذ هذه التعاليم التدميرية في قتل الأبرياء من أتباع الدينات والمذاهب المختلفة. لذلك نرى من الضروري تسليط الضوء على هذا الجانب من المشكلة، ومعالجته لا تركه خوفاً من أن توجه لنا تهمة الطائفية.

قلنا أن حملة التكفير ليست جديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ننقل هنا بعضاً مما قاله ابن تيمية، الملقب بشيخ الإسلام، والقدوة الحسنة لشيوخ الوهابية، بحق الشيعة: ` من شك في كفرهم فقد كفر`. وله أقوال كثيرة أخرى بهذا الخصوص جاءت على شكل مجموعة من الأسئلة والإجابة عليها في كتابه الموسوم: (منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية) يمكن تنزيله من الانترنت. وعلى سؤال: `ما قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرافضة؟ (أي الشيعة)`. فأجاب: `هم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً، يعادون خيار أولياء الله تعالى، من بعد النبيين، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان – رضي الله عنهم ورضوا عنه – ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، كالنصيرية والإسماعيلية، وغيرهم من الضالين`.(منهاج السنة..، ص 20، ج1)(1)
أما بحق غير المسلمين `الكفار` كما يطلقون عليهم، فقال ابن تيمية: `إذا أَقَمتَ في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم`. وقال أيضاً: `من لم يبغض النصارى والكفار ليس مسلماً`. كما وعُرِفَ ابن تيمية بمحاربته للمنطق والعقل، فهو صاحب القول المشهور: `من تمنطق فقد تزندق`. أما الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الحركة الوهابية، فقال في محاربته للفكر: `الفكر والكفر سيان، لأنهما من نفس الحروف`.

وإزاء حملة تكفير وتحقير الآخر فلا عجب أن نرى كل هذا الحقد على الشيعة وغير المسلمين، وحرب الإبادة ضدهم، لذلك يعلق الدكتور سعيد السامرائي على هذه الظاهرة قائلاً: [كيف لا والتعليم الطائفي يصل بالناس إلى درجات سافلة جداً من التفكير حتى ظن السني بأن الشيعة يمسخون إلى خنازير (أو ثعالب حسب قول جدتي رحمها الله)! وهذا ليس من قبيل المزاح لأنه مؤسس على تعليم وتنشئة. ولمن لا يصدق أسوق إليه قول المدعو `محمد بن عبدالوهاب` الذي ابتدع الوهابية، قال جزاه الله بما قال وهو يكرر مشابهة الشيعة لليهود (!) ما نصه: ` ومنها أن اليهود مسخوا قردة وخنازير وقد نقل أنه وقع ذلك لبعض الرافضة – يعني الشيعة في المدينة المنورة وغيرها بل قد قيل أنهم تمسخ صورهم ووجوههم عند الموت والله أعلم` !!](2)

أما في زماننا هذا فتصاعدت حملة التكفير والتحقير ضد الشيعة وغير المسلمين، فقبيل الحملة الدولية بقيادة أمريكا لإسقاط حكم البعث الفاشي في العراق، أصدر مشايخ الوهابية في المملكة العربية السعودية، عدداً من الفتاوى التكفيرية والتحريضية ضد شيعة العراق، دعوا فيها الشباب المسلم بالتوجه إلى العراق للجهاد في سبيل الله ضد الرافضة ولنصرة أخوتهم أهل السنة!!

وفي عام 2006، أصدر هؤلاء الشيوخ فتوى على شكل بيان قالوا فيه: `بعد قرابة أربع سنوات مرت على احتلال العراق؛ ظهر جليًّا أن الهدف هو الاستيلاء على العراق شراكة بين الصليبيين والرافضة الصفويين؛ تمكينًا لمطامعهم في المنطقة، وحماية لليهود المحتلِّين، وإقصاءً للنفوذ السني فيها، ومحاصرة للسنة في المنطقة كلها؛ لتشكيل هلال شيعي لا تخفى أطماعه ومخططاته، وأصبح العراق بإسلامه وعروبته، وبجغرافيته وتاريخه وثرواته؛ يراد له أن يتبدد وينهب، وأصبح إعلان التقسيم رسميًّا يتوقع في أية لحظة، فللرافضة الجنوب وأهم محافظات الوسط، وللأكراد الشمال، وللسنة ما بقي من أرض الوسط` .

وأضاف المشايخ السعوديون: `ولم تترك أحداث العراق للرافضة الإثني عشرية وأشياعهم من سائر فرق الباطنية من سربال ولا ستر ولا تقية، فقد أظهر الله سرهم علانية، وفضحهم على رؤوس الأشهاد؛ لمن كان له قلب وسلم من الهوى؛ فقد سارعوا في هوى الصليبيين واحتضنوهم وحموا ظهورهم، وتخندقوا جميعًا في حرب العراق وتقسيمه. لقد أثبتوا بصورة عملية كل ما كان مسطورًا عندهم في كتبهم مما كانوا يخادعون المسلمين بعكسه تقية، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم، فظهرت أخلاقهم المرذولة، وعقائدهم البغيضة، فقالوا وفعلوا ما يشهد لهم بأنهم أمة واحدة مع تعدد مذاهبهم وبلدانهم وأجناسهم، وأن ما يفعلونه في ديار أهل السنة من بيعة وطاعة ومهادنة، ما هو إلا مداراة ومصانعة حتى تتهيأ لهم الظروف`. وقد وقع البيان 38 شيخاً. يمكن الإطلاع على نص البيان وأسماء الموقعين عليه بفتح الرابط أدناه.(3)
ففي الوقت الذي تصرف المملكة السعودية ملايين الدولارات على عقد مؤتمرات الحوار بين الأديان في خارج المملكة، لتجميل صورتها أمام العالم، بينما هي ترفض التسامح مع شيعة المملكة الذين يشكلون نحو 15% من الشعب، ويعاملونهم دون مستوى البشر. وهذا واضح من تصريحات مشايخ الوهابية في السعودية، كما جاء في بيانهم المار ذكره، وكذلك تصريحات الشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم المكي الشريف في مقابلة تلفزيونية أذاعتها قناة الـ”بي بي سي” العربية في 15 أيار (مايو) 2009، حينما سأله مقدم البرنامج حول قضية تكفير الشيعة فقال: “تكفير عامة الشيعة (مسألة) يمكن أن يكون فيها نظر، أما بخصوص علمائهم فأرى أنهم كفار، بدون تمييز “.(4)

وهذا الشيخ لم يكن بمقدوره النطق بهذا الكلام التكفيري وعلى رؤوس الأشهاد ما لم يكن كلامه يمثل الخطاب الرسمي السعودي، ومباركة النظام الحاكم له.
أما المتشدد الشيخ ناصر العمر فيشبه السعوديين الشيعة بالمستوطنين اليهود ويصف `حزب الله` بالحزب الفاجر.(5)
كما واتهموا الشيعة بأن لهم قرآنهم الخاص بهم، وأنهم منحرفون. ويذكر المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية في هذا الصدد، أنه زار الجامع الأزهر الشريف في القاهرة فلقى رجلاً فسأله الشيخ: `ماذا تعرف عن الشيعة؟`، فرد عليه الرجل: ` أعرف أنهم منحرفون`. فقال له الشيخ: ` وما دليلك على هذا؟`، فرد الرجل: `أنا أعرف ذلك`. فقال له الشيخ: `وإذا قلتُ لك أني أعرف أنك منحرف، ماذا تقول؟` فسكت الرجل.(6)

ونتيجة لرمي الشيعة بالشرك والانحراف عن الإسلام، لجأت الأحزاب الإسلامية السنية في أدبياتهم وصحافتهم إلى عدم تسمية الأحزاب الإسلامية الشيعية بالأحزاب الإسلامية، بل أكتفت بتسميتها إما بـ`الأحزاب الدينية الشيعية`، أو `المعارضة الشيعية`.

التقية
تكررت في فتاوى مشايخ الوهابية مفردة `التقية` وأن الشيعة يعملون بها، لذلك أرى من المفيد توضيح هذا التعبير. التقية هي مفردة مشتقة من الوقاية، والفعل يتقي، اتقى. والمقصود هنا اتقاء الشر أو الضرر المادي والمعنوي، وهي تعني إخفاء الإنسان معتقده الديني أو المذهبي، أو حتى السياسي والفكري، ليتجنب الملاحقة والاضطهاد. `وارتبطت التقية في تاريخ الأديان بصفة عامة بمراحل الاضطهاد أو التمييز القائم على العقيدة، بل إن المسيحيين الأوائل في عصر دقلديانوس اضطروا لاستخدامها في مصر وبلاد الشام. واستخدمها اليهود في أوروبا في العصور الوسطى.` (موسوعة ويكيبيديا).
وقد اشتهر بها الشيعة في الإسلام لأنهم تعرضوا للاضطهاد والقتل والتنكيل أكثر من غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى، وخاصة في العصرين الأموي والعباسي. والشيعة لم ينكروا العمل بمبدأ التقية لأنها مسألة حياة أو موت، للحفاظ على حياتهم. وبلغة العلم الحديث، التقية مبدأ من مبادئ الداروينية في التكيف مع الظروف من أجل البقاء. وقد رفض (الخوارج) مبدأ التقية رغم تعرضهم للقتل والتنكيل، كتحد لخصومهم، لذلك أبيدوا، ولم يبق منهم إلا نفر قليل فروا إلى الصحراء الكبرى جنوب الجزائر. أما المعتزلة وهم جماعة من العقلانيين، الذين تعرضوا للتنكيل في عهد الخليفة العباسي، المتوكل، فقد أذيبوا في الشيعة لمشاركتهم لهم في الكثير من عقائدهم وخاصة في ولائهم للإمام علي، وقولهم في فرضية خلق القرآن. وهذا لا يعني أن بقاء التشيع ناتج عن `التقية` فقط في الظروف القاسية، بل هناك أسباب أخرى كثيرة أشرنا إليها في الفصل السابع من هذا الكتاب. وهناك طريفة في هذا الصدد، أن سنياً عيَّر شيعياً بقوله: `أنتم الشيعة تقولون بالتقية` فأجابه: `ولعن الله من ألجأنا إليها`.

علاقة ثقافة التكفير بالإرهاب
لا شك أن حملة التشويه والتأليب والتكفير والتحقير التي قادها مشايخ الإسلام السني ضد الشيعة، وضد أتباع الديانات الأخرى خلال قرون، لعبت دوراً رئيسياً في إنتاج الإرهاب الإسلامي الوهابي في عصرنا الراهن، ليس ضد غير المسلمين `الكفار` فحسب، بل وضد الشيعة `المنحرفون` أيضاً. لأن غرض التكفيريين هو إبادة من يختلف عنهم، لذا يحاولون أولاً تبرير إرهابهم، وإسباغ القداسة الدينية عليه، وذلك بتشويه صورة المختلف عنهم في الدين والمذهب واختزالهم إلى ما دون مستوى البشر، ونعتهم بالشر المطلق لا يستحقون الحياة، وأن وجودهم ضرر على الإسلام الصحيح، لذلك فقتلهم واجب ابتغاءً لمرضاة الله، وقتلهم يدخل القتال إلى الجنة، عملاً بقوله تعالى: `وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ`. (سورة الأنفال، الآية 60).

لذلك فإن ما يجري في العراق منذ سقوط الحكم البعثي الطائفي عام 2003 وإلى الآن، من حرب الإبادة ضد الشيعة والمسيحيين والصابئة والأيزيديين وغيرهم، ما هو إلا نتاج هذه الثقافة التحريضية التكفيرية.
ولا عجب في هذه الحالة أن نرى الشعوب الإسلامية مبتلية الآن بالإرهاب، وفي مواجهة غير متكافئة مع العالم المتحضر، في حرب خاسرة ضد الحضارة والتقدم والديمقراطية.

العقدة الإيرانية
من المعروف أنه بعد الفتح الإسلامي لإيران في عهد الخليفة الراشدي عمر ابن الخطاب، أن اعتنق هذا الشعب الإسلام ديناً له وتحمس له، ولعب الإيرانيون دوراً رئيسياً في تأسيس العلوم الإسلامية، وكتابة السيرة النبوية، وعلوم اللغة العربية، وتفسير القرآن، وجمع وتنقية الأحاديث النبوية في كتب يوثق بها عند أهل السنة خاصة، سميت بكتب (الصحاح) مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، بل وحتى الإمام أبو حنيفة، مؤسس أحد مذاهب أهل السنة والجماعة، هو إيراني الأصل. وكذلك الشيخ عبدالقادر الكيلاني، إضافة إلى شيوخ المعتزلة، والفلاسفة المسلمين، معظمهم كانوا إيرانيين، وقد أغنوا التراث العربي الإسلامي بمؤلفاتهم من كتب التراث. كل ذلك كان مقبولاً، ومرحباً به إلى أن تشيّع الشعب الإيراني قبل خمسمائة سنة، وعندها صار هذا الشعب يلقب بالفرس المجوس، وصار التشيع مجوسياً ومرادفاً للشعوبية المعادية للعرب!!
لم يتهم أي من هؤلاء العروبيين، الأتراك بالشعوبية رغم أنهم استعمروا العرب لأربعة قرون، ودمروا الحضارة العربية، واتبعوا سياسة التتريك، وأعدموا على يد جمال السفاح 500 مواطناً من القوميين العرب في بلد واحد مثل سوريا. أما مظالمهم في العراق وإذلالهم الشعب العراقي فلا يوصف، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ينقل لنا تحسين العسكري في كتابه (الثورة العربية الكبرى) أنه عند انسحاب القوات التركية من الحلة (في الحرب العالمية الأولى) أرادت تدمير سدة الهندية انتقاماً من العراقيين وحرمان مليون ونصف مليون من سكان المنطقة من الاستفادة منها، لولا أنه (العسكري) علم بذلك فأخبر العشائر لحماية السد. إلا إنهم (أي القوات التركية) في طريقهم إلى الرمادي دمروا ناظم جدول الصقلاوية… (علي الوردي، لمحات اجتماعية، ج4، ص 337، دار كوفان، لندن، 1992).
ولكن رغم كل هذا الدمار الذي ألحقه الأتراك بالعرب، لم يصفهم أحد بالشعوبية، بل خصصت هذه التهمة للإيرانيين وحدهم، وهم الذين يتهالكون على حب وتبجيل أهل البيت الذين هم من صلب وقلب العروبة.. كما وشككوا حتى في إسلام الشعب الإيراني منذ تاريخ تشيعهم، فألصقوا بهم صفة `المبتدعة` رغم حرصهم الشديد على الإسلام. كما رفضت الأحزاب الإسلامية السنية تسمية الثورة الإسلامية في إيران بالثورة الإسلامية، بل اكتفت بتسميتها بالثورة الإيرانية.
أن المواقف الطائفية لبعض الكتاب العرب جعلتهم يدافعون عن الحكم العثماني لأربعة قرون واعتبروه حكماً وطنياً إسلامياً وليس استعمارياً. فقبل فترة دخلتُ في سجال مع أحدهم في هذا الخصوص، فرد عليّ يمتدح العهد التركي وبالأخص عهد المماليك، قائلاً: `لقد كان لأولئك الحكام المماليك دورهم الناصع في الدفاع عن العراق ضد هجومات إيران التوسعية في العراق…`. وهذا يعني في رأي الكاتب أن المماليك كانوا يدافعون عن استقلال العراق وحرية شعبه `ضد هجومات إيران التوسعية`. بينما الحقيقة أن المماليك هم أيضاً كانوا أجانب ومستعمرين، وكانوا يدافعون عن حكمهم الجائر ضمن الإمبراطورية العثمانية المحتلة التي أوصلت العراق إلى أحط درك في التخلف والإبادة. ففي منتصف القرن التاسع عشر بلغ سكان العراق إلى نحو مليون ونصف مليون نسمة بعد أن كان نحو 30 مليوناً في عهد الدولة العباسية كما تذكر كتب التاريخ. وهذا يعني أن الشعب العراقي كان على وشك الانقراض في العهد العثماني. فالاحتلال الاستعماري، وخاصة الاستيطاني منه، بغيض في جميع الأحوال، سواء كان تركياً عثمانياً، أو إيرانياً.
والجدير بالذكر أن الشاه إسماعيل الصفوي الذي فرض التشيع على الشعب الإيراني في القرن السادس عشر، هو الآخر كان من تركياً من آذر بايجان، وكان هناك عداء مستفحل بين الأتراك العثمانيين (السنة) والأتراك الإيرانيين الصفويين (الشيعة). واتخذت الدولتان العراق ساحة لحروبهما، وعانى الشعب العراقي منهما المصائب إلى حد أن راح العراقيون يرددون القول: (بين العجم والروم بلوى ابتلينا). والمقصود بالروم الأتراك. لذا لا أدري عن أي تاريخ ناصع يتحدث هؤلاء؟
وبعد تحرير العراق من حكم البعث الجائر، وتعلقاً بالديكتاتورية، راح معظم حكام العرب ووسائل إعلامهم يرددون قولهم للأمريكان:` قدمتم العراق على طبق من ذهب لإيران`. وقد بلغ حقد هؤلاء على الديمقراطية في العراق إلى حد أن كل ما يقرره البرلمان العراقي هو انتصار لإيران، وتنفيذاً لأوامر حكام إيران، وكأن النظام الإيراني هو الذي انتخب النواب العراقيين وليس الـ (15) مليون ناخب عراقي.
مواصلة النهج العثماني في تكفير الشيعة
وبعد استقلال البلدان العربية في القرن العشرين، تبنت حكوماتها السنية موقف أسيادهم السابقين، الأتراك العثمانيين، في مواصلة العداء لإيران، وللشيعة العرب في بلدانهم، وبالأخص لشيعة العراق إلى حد أن صار وكأن العرب الشيعة إيرانيون. فقبل سنوات صرح حسني مبارك رئيس أكبر دولة عربية، أن الشيعة في البلاد العربية يدينون بالولاء لإيران وليس لأوطانهم العربية!!
وفي عهد الطاغية صدام حسين، سانده الحكام العرب في شن حربه المجنونة على إيران، واعتبروا العراق البوابة الشرقية لحماية الأمة العربية من توسع الفرس المجوس!! لذلك مدوه بكل وسائل القوة المادية والمعنوية لمواصلة الحرب وبدماء وأرواح العراقيين، إلى أن تم لهم تدمير طاقات الشعبين، العراقي والإيراني. وبعد سقوط الفاشية البعثية، عاقب هؤلاء الحكام الشعب العراقي ثانية وذلك باحتساب مساعداتهم لصدام ديوناً باهظة على العراق تقدر بعشرات المليارات الدولارات، إضافة إلى تعويضات غزوه للكويت، وهم الآن يدربون ويرسلون الإرهابيين لقتل العراقيين وتدمير ممتلكاتهم ومؤسساتهم الاقتصادية والخدمية لإفشال مشروعهم الديمقراطي.

وأخيراً تدخل الويكيليكس على الخط، ليفضح الحكام العرب، فنقلا عن إحدى الوثائق `أن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل الجبير قال أن العاهل السعودي `يدعو الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران لوقف برنامجها النووي` وانه، أي العاهل السعودي، نصح الأمريكيين بـ`قطع رأس الأفعى` وشدد على أن العمل مع الولايات المتحدة لمواجهة التأثير الإيراني في العراق يعد أولوية إستراتيجية للسعودية.`(7)

وفي الملف العراقي نقلت الويكيليكس عن الرئيس المصري أنه نصح ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق بعدم غزو العراق. لكن بعد أن تم الغزو، رد الرئيس المصري حين سئل عن وضع جدول زمني للانسحاب الأمريكي: `لا يمكنكم الانسحاب`. ونصح مبارك الأمريكيين بدعم القوات المسلحة العراقية `ما سيؤدي إلى حصول انقلاب عسكري يأتي بديكتاتور لكنه ديكتاتور عادل`. ومضى الرئيس المصري قائلا بحسب إحدى المراسلات` انسوا الديمقراطية…. العراقيون قساة بالفطرة`.(8)
خلاصة القول، إن دولاً يتبنى حكامها ومشايخها الدينيون تكريس ثقافة التمييز، ومواصلة حملة التكفير والتحقير لشريحة واسعة من مكونات شعوبها، وبدوافع طائفية، لا بد وأن تتعرض إلى الصراع الدموي، وعدم الاستقرار والهزائم، فبعكس منطق الأشياء، يقود هؤلاء شعوبهم إلى الوراء بدلاً من التقدم بهم إلى الأمام. والحل الوحيد للخروج من هذا المأزق، ووضع حد لهذه السياسية الانتحارية، هو تبني نظام دولة المواطنة، يكون فيها الدين لله والوطن للجميع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر

1 لقاء مع شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) حول الرافضة منتديات ماجدة

http://majdah.maktoob.com/vb/majdah11665/
2 د.سعيد السامرائي، الطائفية في العراق، ص 45، نقلاً عن كتاب: الرد على الرافضة، أي الشيعة نشر دار طيبة الرياض، ص 44.
3 علماء سعوديون يصدرون بيانا لدعم أهل السنة في العراق شبكة أنا …

http://muslm.net/vb/showthread.php?p=1095895

4 عادل الكلباني امام الحرم يكفر علماء الشيعة فيديو اللقاء الكامل مع Bbc العربية
http://www.youtube.com/watch?v=_TytRBiZaxI&feature=related
5 المتشدد ناصر العمر يشبه السعوديين الشيعة بالمستوطنين اليهود ويصف `حزب الله` بالحزب الفاجر
http://www.aafaq.org/ne
د. عبدالخالق حسين
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

You may also like

Leave a Comment

About The New Iraq

( العراق الجديد) صحيفة ألكترونية تصدر عن المركز الإعلامي العراقي في لندن حرة غيرمرتبطة بأي جهة أوتكتل سياسي تهدف الى خدمة أبناء شعبنا العراقي وتدافع عن مصالحه السياسية والثقافية والإجتماعية

All Right Reserved. 2024 – TheNewIraq.com – Media & Studies Centre