لقد تعرض شعبنا العراقي في الوسط والجنوب وفي إقليم كردستان من قبل النظام البعثي الصدامي لمظلومية كبيرة ، تمثلت بجرائم المقابر الجماعية في الوسط والجنوب والأنفال وجريمة حلبجة وغيرها في إقليم كردستان ، والتي تعتبر وحسب قوانين حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ووثيقة العهد الدولي الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية تطهير عرقي وإبادة للجنس البشري .
فبعد سقوط النظام السابق واكتشاف تلك الجرائم البشعة ، كان الشعب العراقي يأمل في أن تتولى حكومات ما بعد التغيير مسؤولية التعامل الجدي مع ملف تلك الجرائم وحسب ما تفرضه الواجبات الوطنية والدينية والإنسانية ، وكان من المفترض أن تبادر الحكومة إلى تخصيص وزارة بكامل صلاحياتها المالية والإدارية أو هيئة وطنية عليا أو أي جهة لها من القدرة ما يجعلها قادرة على تلبية احتياجات الضحايا وذويهم ، لكن الذي حصل هو أن هذا الملف الإنساني الخطير بقي يعاني الإهمال والتهميش وخاصة في مناطق الوسط والجنوب ، ففي الوقت الذي خصصت فيه الحكومة في إقليم كردستان وزارة لهذا الأمر وعملت ما بوسعها للعناية بذوي الضحايا اكتفت الحكومة الإتحادية في بغداد بتخصيص قسم للمقابر الجماعية في مديرية الشؤون الإنسانية التابعة لوزارة حقوق الإنسان . علما أن هذا القسم لم يستطع أن يفعل أي شيء يستحق الذكر ، كما أن اللجنة العليا للمقابر الجماعية التي شكلتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بداية 2006 والتي كان من المفروض أن تدعم قسم المقابر الجماعية قد جمدت لعجز القائمين عليها بواجباتهم لأسباب غير معروفة .
لقد كان مؤتمر لندن الدولي للمقابر الجماعية في 16 أيلول 2006 والذي عقده ( مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا ) وبدعم من أبناء شعبنا ، أول خطوة عملية تدفع باتجاه العمل الحقيقي للتعامل مع ملف الضحايا ، وكان اليوم الوطني للمقابر الجماعية ثمرة لذلك المؤتمر ، ثم جاء المؤتمر الدولي الثاني في النجف في 8 تشرين الأول 2008 وكان لمؤسسة شهيد المحراب دور مشرف في عقده حيث خرج بتوصيات مهمة لم تستجب الحكومة لأي منها رغم محاولات وجهود لجنة المتابعة لتوصيات ذلك المؤتمر.
لقد تم التفاهم بين لجنة متابعة توصيات مؤتمر النجف مع الأخوة في حكومة إقليم كردستان متمثلة بوزارة الشهداء والمؤنفلين ، في كانون الثاني من هذه السنة وتم الإتفاق على قضايا مهمة لدفع ملف ضحايا النظام السابق ومن أهمها هو إعادة كتابة قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006 من خلال تشكيل لجنتين قانونيتين ، كما تم الإتفاق مبدئيا على عقد المؤتمر الدولي الثالث في إقليم كردستان وتم تشكيل لجنة تحضيرية لهذا الأمر .
إن هذه الندوة تأتي تعزيزا للمؤتمرين السابقين وتمهيدا للمؤتمر المزمع عقده في إقليم كردستان ، وقد ناقش الحاضرون في الندوة الأبعاد المختلفة لملف ضحايانا طيلة فترة انعقاد الندوة بحضور وفد حكومة إقليم كردستان ووفد من الهيئة الوطنية للمسائلة والعدالة وبمشاركة فعالة لكثير من الأكاديميين والمثقفين والمهتمين بحقوق الإنسان في العراق ، وطرح بعض الأخوة القانونيين بعض الرؤى التي تفيد في معالجة الإخفاقات في التعامل مع الملف ، وأكدوا على ضرورة أن تهتم الحكومة القادمة بما يخدم هذا الملف الإنساني وبالشكل الذي يرضي أرواح الشهداء ويعيد الإعتبار لذويهم ويعوضهم عن الخسارة الكبيرة التي لحقت بهم بسبب غياب أحبائهم .
ويشكر المشاركون في هذه الندوة مبادرة وزارة الشهداء والمؤنفلين في حكومة إقليم كردستان لإستضافة أعمال المؤتمر الدولي الثالث في مدينة أربيل ، ونبدي إعجابنا بالجهود المميزة التي تبذلها الوزارة من أجل استرجاع كامل حقوق شهداء شعبنا الكوردي في الإقليم .
لقد اتفق الحاضرون على توصيات طالبوا برفعها للجهات المعنية في الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان ، وتتمثل تلك التوصيات بما يلي :
1 دعوة الحكومة الجديدة إلى التعامل الجدي مع ملف المقابر الجماعية وجرائم النظام السابق بصورة عامة بمسؤولية كاملة ، كسلطة تنفيذية يقع على عاتقها واجب الحفاظ على حقوق وكرامة أبناء الشعب ، لتقليل أثر تبعات إهمال الحكومات التي تشكلت بعد سقوط النظام السابق لضحايانا ولذويهم.
2 مخاطبة البرلمان العراقي القادم للإعتراف بجرائم المقابر الجماعية واعتبارها تطهير عرقي وإبادة للجنس البشري، تمهيدا للطلب من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم للإعتراف بهذه الجريمة الكبرى وطلب التعاطف مع الشعب العراقي وتقديم المساعدات المالية وغيرها.
3 إعادة صياغة وكتابة قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006 بعد أن تبين أنه لا يفي بالحد الأدنى من متطلبات الملف ولاحتوائه على كثير من الثغرات التي تضر بحقوق الضحايا وذويهم .
4 تشكيل لجنة خاصة للبحث عن المقابر الجماعية، وأن أي تأخير هو ضياع لمئات أو آلاف المقابر التي زحف عليها التطور العمراني للمدن، والتقادم في الزمن ضياع لمعالم الجريمة في المقبرة الجماعية.
5 إصدار القوانين اللازمة لضمان حقوق الضحايا بالاهتمام بالمقابر وتسيجها وإقامة المتاحف التي تحتوي مقتنياتهم، وكذلك الاهتمام بذوي الضحايا وضمان حقوقهم الشرعية والوطنية كفئة مضحية وضمان عدم ضياع ايتامهم وأراملهم.
6 إصدار التشريعات القانونية المهمة التي تمنع التشكيك بجرائم المقابر الجماعية في الداخل أو الخارج وتجريم كل من يشكك أو يستخف بها من خلال تقديمهم للقضاء ، أفرادا أو جماعات .
7 دعوة الحكومة العراقية الإتحادية بالانظمام للدول التي وقعت على إتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية المستقلة في هولندا، والمتخصصة في النظر بجرائم الإبادة الجماعية .
8 امتلاك الدولة لكل المواقع التي تم اكتشاف مقابر جماعية فيها ، وتسييجها والاهتمام بها لتكون أماكن يتذكر من خلالها شعبنا الحقبة السوداء . وبناء نصب تذكارية في أماكن دفن الشهداء تتضمن أسمائهم واسماء المقابر التي وجدوا فيها .
9 دعوة المدعي العام العراقي لفتح ملفات وقضايا جنائية لجرائم الإبادة الجماعية في العراق ، والطلب من وزارة العدل إلى تفعيل الإجراءات القضائية .
10 دعوة البرلمان العراقي والحكومة والقضاء لدعم الهيئة الوطنية العليا للمسائلة والعدالة للقيام بدورها في تطهير المجتمع العراقي من آثار البعث ، فالإبادة الجماعية هي من أسوأ آثار حزب البعث البائد .
11 دعوة وزارة التربية لتضمين مناهجها صور التضحية البطولية للشعب العراقي في زمن النظام السابق ، وتعميق مباديء الديمقراطية والتحذير من مخاطر الأنظمة الشمولية .
12 ضرورة الإسراع في وضع قاعدة بيانات لكل ضحايا شعبنا في زمن النظام السابق مع عمل إحصائيات دقيقة لذويهم والمتضررين منهم .
13 العمل على فتح تحقيق بحق الشركات الأجنبية التي زودت النظام السابق بالأسلحة والتجهيزات العسكرية التي كان لها أثر مباشر في صنع تلك الجرائم ، أو ساهمت بتدريب عناصر النظام السابق على عمليات القتل والترهيب .
14 الطلب من الحكومة الاتحادية باعتذار رسمي لذوي الضحايا لعدم القيام بواجبها الدستوري والوطني والإنساني اتجاه ضحايا المقابر الجماعية وذويهم.
ندوة مناقشة